أجاز رأس مع ملس، ولو خففت هذه الهمزة لصارت هذه الهمزة ألفا تصلح للردف. ومن مذهب الخليل أنه لا يجيز يجئ مع يسوء لئلا يخفف فيختلف فأما القضائد التي تسميها العامة معدودة، فهي مهموزة مردفة، مثل قوله:
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْماءُ
وقد يجوز للشاعر أن يجئ تارة بالروي مخففا وتارة مشددًا، مثل عني وابني.
التآسيس
وهو مأخوذ من أسست البناء. والتأسيس ألف بينها وبين الروي حرف يكون بعدها وقبله، ويسمى الدخيل تعاقبه جميع الحروف، وذلك كقول النابغة:
كِلِيني لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةً نَاصِبِ ... وَلَيْلٍ أَقَاسِيْهِ بَطِئِ الكَوَاكِبِ
ألف ناصب تأسيس والصاد دخيل، وكذلك ألف الكواكب تأسيس والكاف التي قبل الباء دخيل والباء روي، فإن كان بين هذه الألف وبين الروي حرفان أو أكثر فليست تأسيسًا مثل عقابيل وحيازيم.
ولا يخلو حال ألف التأسيس من أحد أمرين، إما أن تكون هي والروي من كلمة واحدة، أو تكون من كلمة والروي من كلمة، فإن كانت هي والروي من كلمة واحدة فهي تأسيس لا غير، كقول النابغة:
دَعَاكَ الهَوَى وَاسْتَجْهَلَتْكَ المَنَازِلُوَكَيْفَ تَصَابِي المَرْءِ والشَّيْبُ شامِلُ
فإن كانت من كلمة والروي من أخرى، فلا يخلو إما أن يكون من التي فيها الروي ضمير أو لا ضمير فيها. فإن كان فيها ضمير فلا يخلو إما أن يكون ذلك الضمير حرفًا متصلًا بحرف خفض أو غير متصل.
فإن لم يكن متصلًا بحرف خفض كالكاف في الخطاب المذكر والمؤنث مثل قوله:
أَتُشفِيكَ نَيَّا أَمْ تُرِكْتَ بِدائِكا ... وكانَتْ قَتُولًا لِرِّجَالِ كَذَالِكا
وكقول طرفة:
قِفي قَبْلَ وَشْكِ البَيْنِ يا ابنةَ مَالَكٍ ... وَعُوجِي عَلَيْنَا مِنْ صُدُورِ جَمالِكِ
فالألف ها هنا تأسيس.
فإن كان الضمير متصلًا بحرف خفض، كقول سحيم عبد بني الحسحاس:
أَلا نَادِ في آثَارِهِنَّ الغَوَانِيَا ... سُقِينَ سِمَاما ما لَهُنَّ وَمالِيَا
فهي تأسيس أيضًا. وقد قيل إنها ليست ألف تأسيس.
وقال ابن جني: إن الألف في قول الشاعر:
أمَّهْ جَارَاتِك تِلك المُوصِيَه ... قائِلَةً لا يَسْقِيَنْ بِحَبْلِيَهْ
لَوْ كُنْتُ حَبْلًا لَوَصَلْتُهَا بِيَهْ ... أَوْ قَاصِرًا وَصَلْتُهُ بِثَوْبِيَهْ
ليست ألف تأسيس.
والأشبه أن تكون ألف وماليا، ومابيا تأسيسًا. فأما الألف في قوله وصلتها به فإنها أبعد في الجراز من ذلك. لأن الهاء أقوى من الألف. لا تحتمل الحركة والهاء تحتملها.
فإن كان الضمير غير متصل بحرف خفض وهو منفصل، فليست الألف تأسيسًا. وينشد لحسان:
إذَا مَا تَرَعْرَعَ فِيْنَا الغُلاَمُ ... فَمَا أَنْ يُقالُ لَهُ مَنْ هُوَهْ
إذَا لَمْ يَسُدْ قَبْلَ شَدِّ الإزَارِ ... فَذَلِكَ فِيْنا الذِي لاَ هُوَهْ
وَلِي صاحِبٌ مِنْ بني الشَّيْصَبَانِ ... فَطُوْرًا أقُولُ وَطُوْرًا هُوَهْ
فلم يجعل الألف في قوله لا هوه تأسيسا. ولا بأس أن يجعل ماهيا تأسيسا. وقد استعمل ذلك. قال الشاعر:
إذَا زُرْتُ أَرْضًا بَعْدَ طُولِ اجْتِنابِها ... فَقَدْتُ صَدِيقي والبِلادُ كَما هِيَا
والقصيدة مؤسسة، ومن لم يجعلها تأسيسا، أجاز معها معطيًا وموليا فإن كانت الكلمة التي قبلها الروي لا ضمير فيها، فلا تأسيس هناك. قال الشاعر:
وَإذَا تَكُونُ كَرِيهةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ
هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِه ... لا أمَّ لِي إنْ كانَ ذَاكَ وَلا أَبُ
وقال عنترة:
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمْهُمَا ... وَالنَّاذِرَيْنِ إذا لم ألقَهُمَا دَمِي
قال العَجَّاج:
فَهُن يَعْكُفْنَ بِهِ إذا حَجَا ... عَكْفَ النَّبيِطِ يَلْعَبُونَ الفَنْزَجا
وقال آخر:
وَطَالَما وَطَالَما وطالما ... سَقَى بِكَفَّ خَالدٍ وَأطْمَعَا
فصل: وقد أتى البحتري بالتأسيس في القصيدة المجردة. ومعنى التجريد عدم التأسيس
والردف وهي:
لِلهِ عَهْدُ سُوَيْقَةٍ ما أَنْضَرَا
فقال:
لَمْ تُدْعَ ذَا السَّيْفَيْنِ إلاَّ نَجْدَةًبِكَ أَوْجَبَتْ لَكَ أَنْ تَقَلَّدَ آخَرَا وأرى أن هذه اللفظة أعني آخر يسهل على الغريزة إشراكها في قوافي التجريد من وجهين: أن التأسيس أكثر ما ورد بكسر الدخيل. وقد يوجد مضمومًا. فأما الدخيل المفتوح فقليل جدًا. فلما كانت الخاء مفتوحة كانت خالية من التأسيس. والوجه الآخر: أن هذه الألف التي هي التأسيس في آخر كانت في الأصل همزة، وإنما صارت مسدة لعلة. فكأن الحس من الغريزة يقع بتلك الهمزة الأصلية. وقد أتى امرؤ القيس بمثل ذلك فقال: إذَا قُلْتُ هَذا صَاحِبٌ قَدْ رَضِيْتُهُ ... وَقَرَّتْ بِهِ العَيْنَانِ بُدِّلْتُ آخَرَا كَذِلِكَ حَظِّي ما أُصَاحِبُ صَاحِبًا ... مِنَ النَّاسِ إلا خَانَنَي وَتَغَيَّرَا وقد أتى أبو عبادة مرفوضًا بالإجماع فأسس مع الانفصال وعدم الضمير في قوله: لا يُلْحِقَن إلى الإِسَاءَةِ أُخْتَهَا ... شَرُّ الإساءَةِ أَنْ تُسِئَ مُعَاوِدا وَارْفَعْ يَدَيْكَ إلى السّمَاحَةِ مُفْضِلًا ... إنَّ فِي القَومِ لِلأَعْلَى يَدَا شَرْوَى أَبِي الصَّقْرِ الَّذي مَدَّتْ له ... شَيْبَانُ فِي الحَسَناتِ أَبْعَدَهَا مَدَى وَيَسُرَّني أَنْ لَيْسَ يُلْزَمُ شِيْمَةًمِنْ مَعْشَرٍ مَنْ لَيْسَ يُكْرَمُ مَوْلِدَا وهو قبيح جدًا. الردف وهو مأخوذ من ردف الراكب لأن الروي أصل فهو الراكب، وهذا كردفه. وهو يكون من أحد ثلاثة أحرف: الواو، والألف، والياء. وقد تكون الواو ردفا مع ضم ما قبلها وفتحه، وكذلك الياء مع كسر ما قبلها وفتحه. والياء التي قبلها كسرة تسمى الحزم المرسل، والتي قبلها فتحة تسمى الحزم المنبسط. وكذلك هو في الواو، إذا انضم ما قبلها أو انفتح. ويقال أيضًا لما انفتح ما قبله من الياءات والواوات الثواني. فأما الألف فلا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ولا تكون إلا ردفاَ محضًا. والردف ما كان الروي بعده بغير حاجز في المطلق والمقيد. فالذي ردفه واو قبلها ضمة قول الشاعر: فَلَسْتُ لإِنْسِيٍّ وَلكِنْ لِمَلْأكٍ ... تَحَدَّرَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ والذي ردفه واو قبلها فتحة قول الراجز: وَمَشْيُهُنَّ بِالخَبيبِ مَؤرُ ... كَمَا تَهَادى الفَتَيَاتُ الزَّوْر وكقول الشاعر: يا أيها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتُه ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وكقول: لَئِن كُنْتَ لا تَدْرِي مَتى أنْتَ مَيِّتٌ ... فإِنَّكَ تَدْرِي أَنَّ غايَتَكَ المَوتُ وكقول بعض المحدثين وينسب إلى بعض ملوك الهند: ثِنْتَانِ مِنْ هِمَّتي لا يَنْقَضي أَسَفِي ... عَلَيْهمَا أَبّدًا مِنْ خِشْيَةِ الفَوْتِ لَمْ أَحبْ منتجع الدُّنْيا بِجُمْلَتِها ... وَلا حَمَيْتُ الوَرَى مِنْ صَوْلَةِ المَوْتِ والذي ردفه ألف كقول امرئ القيس: وَهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الهُمُومِ مَا يَبِيْتُ بِأوْجَالِ سئل بعضهم عن معنى هذا البيت فقال: هو كما يقال: عاش من لا عقل له. والذي ردفه ياء مكسور ما قبلها قول الشاعر: وَكَأَينَ رَأَيْنَا مِنْ غَنيٍّ مُذَمَّمٍ ... وَصُعْلُوكِ قَوْمٍ ماتَ وَهْوَ حَمِيدُ وما كان ردفه ياء مفتوح ما قبلها فقوله: بَنَاتُ وَطَّاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيل ... لا يُشْتَكِينَ عَمَلًا ما أَنْقَيْنْ وأصحاب الشافعي ينشدون أبياتًا على هذا المنهاج يستدلون بها على أن الطلاق في غير الأزواج من طريق اللغة. ولا شك أنها لبعض المحدثين وهي: خُذْهَا إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طَالِقٌ ... مِنِّي وَلَيْسَ طَلاَقَ ذَاتِ البَيْنِ فَإِنِ ارْعَوَيْتَ فإِنَّهَا تَطْلِيقَةٌ ... وَيَدُومُ وُدُّكَ لِي عَلَى ثِنْتَيْنِ وَإنِ التَوَيْتَ شَفَعْتُهَا بِمِثَالِهَا ... فَيكُونُ تَطْلِقَيْنِ في ظَهْرَيْنِ وَإذا الثَّلاثُ أَتَتْكَ مَنِّي بُتَّةً ... لَمْ تُغْنِ عَنْكَ وِلايةُ السِّرَّيْنِ وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوز. وقد استعملت الشعراء ذلك.
ومما ورد بالفتح أيضًا قول الشاعر: لَعَمْرُكَ ما أَخْزَى إذا ما سَبَيْتَنِيَ ... إذا لَمْ نَقُلْ بَطْلًا عَلَيَّ وَمَيْنَا وَلَكِنَّما يَخْزَى امْرُؤ تَكْلِمُ اسْتَهُ ... قَنَا قَوْمِهِ إذا الرِّمَاحُ هَوَيْنَا وقد ذكر ما ذهب إليه سيبويه أبو بكر الخزاز العروضي. فأما الواو والياء فتتعاقبان إذا كانتا ردفين في القصيدة الواحدة، فتكون الواو ردفًا في بيت والياء في آخر. فيأتي الواو المضموم ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها؛ الواو المفتوح ما قبلها مع الياء المفتوح ما قبلها. ولو سلمت القصيدة على شيء واحد، لكان أحسن، لا سيما إن كانت القافية منفذة. الصلة وتسمى الوصل أيضًا وهي حرف يكون بعد الروي متصل به. ويكون أحد أربعة أحرف: الواو، والألف، والياء، والهاء. وقد تكون الهاء في الوصل أربع حالات، ضم وفتح وكسر وسكون ولا يكون غيرها إلا ساكنًا. وقد يقع في الوصل اشتراك في معنى الحرف، والحرف بحاله فيشارك الواو التي للترنم؛ الواو التي تلحق فعل الجميع؛ وتشارك الألف التي للترنم، التي للتثنية؛ والألف التي هي أصلية. وتشارك الياء التي للترنم؛ الياء الأصلية. وتشارك الياء التي للضمير الهاء الأصلية. فالواو التي للترنم كقول الفطامي: قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بعدَ حَاجَتَهُ ... وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعجِلِ الزَّلَلُ والواو التي لفعل الجميع مثل قوله في هذه القصيدة: فَلا هُمُ صَالَحُوا مَنْ يَبْتَغِي عَنَتِيوَلا هُمُ كَدَّرُوا الخَيْرَ الِذِي فَعَلُوا وذلك جائز لا محالة. وأما الألف التي للترنم فكقوله: وَمَعْصِيَةُ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ مِمَّا ... يَزِيدُكَ مَرَّةً مِنْهُ استِماعَا ويجوز أن يشاركها ألف مراعى وتداعى وكقول العجاج: فمن يَعْكفْنَ بِهِ إذا حَجَا ... عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الفَنْزَجَا وأما الياء التي للترنم، فكقوله: وَلَو أَنَّني أَسْعَى لأدنى مَعِيْشَةٍ ... كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُب قلُيلٌ مِنَ المَالِ وقد أتى في هذه القصيدة ما هو من الأصل كقوله: ألا أنْعِمْ صَباحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِيوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُرِ الخالي ويجوز أن تجئ الياء المخففة من الهمزة وصلا. فيجئ المالى: من ملأ يملأ مع الأحوال، والظامي: من الظمأ مع الإكرام. قال أبو الفتح بن جني، - رحمه الله تعالى - في تفسير قول المتنبي: كُلَّمَا رُمْتَ لَوْنَهُ مَنَعَ النَّا ... ظِرَ مَوْجٌ كَأَنَّهُ مِنْكَ هَازِي أن أصل هازي: هازئ فأبدل الهمزة على حد التخفيف القياسي وجعلها وصلًا بمنزلة الياء التابعة بعد الزاي في الإحراز في اللفظ. وليس هذا بقياس لأنه لو خففها تخفيف القياس لكانت الهمزة مقدرة. ولو كانت مقدرة فكأنها ملفوظ بها. وإذا كانت كذلك لم يجز أن تكون وصلًا إطلاقًا. وسألت الشيخ أبا العلاء - رحمه الله تعالى - عما ذكره ابن جني فقال: هذا تسعف لا يحتاج إليه. ويلزم أبا الفتح في هذا أن يجعل الهمزة في ذئب، ورأس، وبؤس إذا خففت كأنها موجود في اللفظ؛ فلا يجعلها تدخل مع الأرداف. لأجل أنها مقدرة. والسماع من العرب وغيرهم مختلف لذلك؛ كقول الجميع الأسدي: أمَّا إذا حَرَدَتْ حَرْدِي فَمُجْرِيةُ ... ضَبْطَاءُ تَمْنَعُ غِيْلًا غَيْرَ مَقْرُوبِ وقال في الأبيات: وَإنْ يَكُنْ حَادِثٌ يُخْشَى فَذُو عَلَقٍ ... تَظَلُ تَزْجُرُهُ مِنْ خَشْيَةِ الذِّيْبِ فيلزم أبا الفتح أن يجعل الياء في الذيب لا يجوز أن تكون ردفا، وكذلك الواو في قول الأفوه: إِنَّ بَنِي أَوْدٍ هُمْ ما هُمُ ... لِلْحَرْبِ أَوْ لِلجَدْبِ، عَامَ الشُّمْوُسْ يَقونَ فِي الحُجْرَةِ جِيرَانَهُم ... بِالمَالِ وَالأنْفُسِ مِنْ كُلِّ بُوسْ فالواو في بوس مخففة من الهمزة، وقد صارت ردفا مع الواو التي في البيت الأول. وكذلك قول الآخر: يَقُواُ لِيَ الأَميرُ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... تَقَدَّمْ حِينَ جَدَّ بِنَا المِرَاسُ
فَمَالِي إن أَطَْتُكَ مِنْ حَيَاةٍ ... وَمَالِي غَيْرَ هَذَا الرَّاسِ رَاسُ فألف راس مخففة من الهمزة. وهي ردف مع ألف المراس. وإذا كانت الأحرف الضعيفة ثابتة في موضع، فلا بأس أن يجئ في مكانها ما هو أقوى منها. ومثل ذلك قول طرفة: لِخَوْلَةَ أَطْلاَلٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ فالياء في نهمد مجتلبة للترنم. وقال في القصيدة: سَتَعْلَمُ إنْ مِتْنَا غَدًا أَيَّنَا الصَّدِي فالياء في الصدي أصلية، وهي وصل لا يجوز غير ذلك. وكذلك الهاء التي للإضمار تكون وصلًا، ثم يجئ معها الهاء الأصلية. إلى ها هنا كلام أبي العلاء. وقد تشارك الياء التي للترنم الياء التي للنفس كقول امرئ القيس: ...... حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مَحْمَلِي وكقوله: وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المَوَثَّلَ أَمْثَالِي وأما الهاء المضمومة فكقوله: وَبَلَدٍ عَامِيَةٍ أَعَّمَاؤُهُ والهاء المفتوحة كقوله: وَفِتْيانِ صِدْقٍ لَسْتَ مُطْلِعَ بَعْضِهِمعَلَى سِرِّ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنِّي جُماعُهَا وأما المكسورة فكقول بعض نساء العرب: يا رَبِّ مَنْ عَادَى أُبِي فَعَادِهِ ... وَارْمِ بِسَهْمَينِ عَلَى فُؤَادِهِ وَاجْعَلْ حِمامَ نَفْسِهِ فِي زَادِهِ وأما الهاء الساكنة فقوله: لمَّا أَتَاهُ خَاطِبًا فِي أرْبَعَةَ ... أوْ أبَه وَسَبَّ مَنْ جَاءَ مَعَهُ أو أبَه: من الإبة؛ وهي الحياء. وكقوله: وَلا تَخْذُلِ المَوْلَى إذا ما مُلِمَّة ... ألَمَّتْ وَنازِلْ فِي الوَغَى مَنْ يُنازِلُهْ وقد تشترك الهاء الأصلية وهاء الضمير في الوصل بشرط لزوم ما قبلها؛ كقول امرأة تهجو ضرتها: ضُرَيْرَةٌ أُوْلِعْتُ بِاشْتِهَارِها ... يُطْرِقُ كَلْبُ الحَيِّ مِنْ حِذَارِهَا فاصِلَةُ الحَقْوَيْنِ مِنْ إِزَارِها ... أُعْطِيتُ فيها طائِعًا أو كارهًا حَدِيقَةً غَلْبَاء فِي جِدَارِها ... وَفَرَسًا أُنْثى وَعَبْدًا فَارِها ويروى ضورية أولعت منسوبة إلى ضورة من عنزة. هذا قول أبي العلاء. وقال النامي: ضورة موضع. ومما جاءت فيه الهاء الأصلية وصلًا قوله: أَبْلِغْ أبا عَمْرٍ وَأجْنِحَةُ الخُطُوبِ لَهَا تَشَابُهْ إنّي أَنَا اللَّيْثُ الذِي يُخْشَى مَخَالِبُهُ وَنَابُهْ الخروج والخروج حرف متولد من هاء الصلة المتحركة، فإن كانت حركتها ضمة كان الخروج واوا، وإن كانت فتحة كان الخروج ألفا؛ وإن كانت كسرة كان الخروج ياء. والخروج لازم لا يجوز تغييره؛ فيجب تسليمه في جميع القصيدة على ما ابتداه في البيت الأول؛ كما قال لبيد: عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنىً تَأبَّدَ غُولُها فَرِجَامُهَا فسلمها على الفتحة إلى آخرها. ولا تعلم أنه ورد غير ذلك فإن استعمل فهو أقبح من الإقواء الحركات اللازمة وهي ست: الرس، والإشباع، والمجرى، والحذو؛ والتوجيه، والنفاذ الرس فالرس حركة ما قبل ألف التأسيس، مثل حركة الصاد في قوله: لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالحَصَىوَلاَ زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ ما اللهُ صَانِعُ فحركة الصاد رس، والألف تأسيس، والنون دخيل، والعين روي، والواو وصل، وكأن الرس: القلة والخفاء، ومنه رسيس الهوى أي بقيته. فكأن حركة ما قبل الألف حس خفي. ومنه قول علقمة ابن عبدة: رَسٌّ كَرَسِّ أَخِي الحُميَّ إذا غَبَرَتْ ... يَوْمًا تَأَوَّبَهُ مِنْهَا عَقَابِلُ وكان أبو عمر الجرمي لا يعتد بهذه الحركة في اللوازم، لأن ما قبل الألف لا بد أن يكون مفتوحًا. والأمر على ما ذكر، إلا أنه يلزمه في الدخيل ألا يعتد بالحركة، لأنه لا يكون إلا متحركًا بإحدى ثلاث الحركات، فإن قيل: الحركات تختلف، قيل فنلزم أن نفرد لكل حركة من حركات الدخيل اسمًا إذا انفردت بالقصيدة. ويلزمه أيضًا ألا يعتد بالجهل فيما ردفة بالألف، لأنه لا يكون قبلها إلا فتحة. الإشباع
الإشباع حركة الدخيل أية حركة كانت، مثل كسرة الهاء في قول زهير: وَإذْ أَنْتَ لَمْ تُقْصِرْ عَنِ الجَهْلِ وَالخَنَىأَصَبْتَ حَلِيْمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِلُ وكضمة الياء في قول النابغة: سُجُودًا لَهُ غَسَّانُ يَرْجُونَ فَضْلَهُ ... وَتُرْكٌ وَرَهْطٌ الأعْجَمِينَ وَكابُلُ وكفتحة اللام في قول الشاعر: إذَا كُنْتَ ذَا ثَرْوَةٍ مِنْ غِنَى ... فَأنْتَ المُسَوَّدُ فِي العَالَمِ وهذه الحركات تتعاقب، إلا أن الكسرة مع الضمة أخف كراهة من الفتحة مع إحداهما وإذا اختلف حركات الإشباع سمي ذلك سنادًا. ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وقيل: هذه الحركات إشباع من قولك: أشبعت الثوب. إذا أحكمته وقويته، ولا يمتنع أن يكون مأخوذًا من أن هذه الحركة لا يمكن فيها من الحذف ما يمكن في حركة الروي، وهاء الوصل اللتين بعدها، لأنهما قد تحذفان تارة وتثبتان أخرى، ولا يمكن في حركة الدخيل الحذف، بل يأتي أبدًا مشبعًا بالحركة. المجرى والمجرى حركة الروي مثل حركة الميم في قول زهير: رَأيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْتُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ فالميم روي، وحركتها بالكسر مجرى، والياء وصل. وكذلك حاله في الرفع والنصب. وقيل لها مجرى لأن الروي يجري فيها. الحذو والحذو حركة ما قبل الردف واوا كان أو ألفًا أو ياءً. فإن كان الردف واوًا، فالحذو ضمة وإن كان الردف ألفًا، فالحذو فتحة. وإن كان ياء فالحذو كسرة وقد يجئ قبل الواو والياء فتحة. فالذي حذوه فتحة وردفه ألف مثل قوله: أَلا أَنْعِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ الباليوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ في العُصُرِ الخَالِي فتحة الخاء حذو، والألف ردف، واللام روي، وحركتها مجرى، والياء وصل وما كان حذوة ضمة فقول زهير: مَتى تَكُ في صَدِيْقٍ أَوْ عَدُوٍّ ... تُخَبِّرْكَ الوُجُوهُ عَنِ القُلُوبِ وما كان حذوه كسرة فقوله: فَإْنْ تَسْأَلُوني بِالنّسَاءِ فإنَّني ... خَبيْرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبيْبُ وأما ما كان ردفه واوا مفتوحًا ما قبلها فكقوله: يا أيُّها الرَّاكبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وما كان ردفه ياء مفتوحًا ما قبلها فكقوله: ذَكَرْتُ أَهْلَ دُجَيْلٍ ... وَأَيْنَ مِنِّي دُجَيْلُ وكقول الراجز: مَالِي إِذ أَجْذِبْها صَأَبْتُ ... أَكِبَرُ قَدْ غَالَنِي أَمْ بَيْتُ وسمي الحذو حذوًا من قولك: حذوت فلانًا، إذا جلست بحذائه: فكأنه محاذٍ للردف. التوجيه والتوجيه له موضعان: المقيد والمطلق وهو حركة ما قبل الروي. فهو في المقيد مثل حركة الفاء في قوله: لاَ وَأَبيْكِ ابنَةَ العَامِرِيِّ ... لاَيَدَّعِي القَوْمُ أَنِّي أفِرْ فكسرة الفاء توجيه، وكفتحة الطاء في قول سويد بن أبي كاهل: رُبّ مَنْ أنْضَجْتُ غَيظًا كَبِدَهُ ... قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتًا لَمْ يُطَعْ وقد تجتمع ثلاث الحركات في التوجيه سواء كان الشعر مطلقًا أو مقيدًا وتسلميه أحسن، لا سيما في المقيد. قال امرؤ القيس: لا وَأبِيكِ ابنَةَ العَامِرِيِّ ... لا يَدَّعِي القَوْمُ أنِّي أَفِرْ تَمِيْمُ بْنُ مُرٍّ وَأشْيَاعُهَا ... وَكِنْدّةُ حَوْلي جَمِيْعًا صُبُرْ إذا رَكِبُوا الخَيْلَ وَاسْتَلئَمُوا ... تَحَرَّقَتِ الأرضُ واليَومُ قُرْ والتوجيه في المطلق كحركة اللام في قول الشاعر، وهو زهير: بَانَ الخَليطُ وَلَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا ... وَزَوَّدُوكَ اشتِياقًا أيَّةً سَلَكُوا ففتحة اللام في سلكوا توجيه. وقد تجيء معها الضمة والكسرة. قال زهير في هذه القصيدة: مُقْوَرَّةٌ تَتَبَارى لا شِوَارَ لَها ... إلاَّ القطُوعُ عَلَى الأكْوَارِ والوُرُكُ وقال فيها أيضًا: يَا حَارِ لاَ أرْمَينَ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلي وَلا مَلِكُ ولا يتأتى التوجيه في المترادف.
ولم يذكر أصحاب القوافي المتقدمون من أي شيء أخذ التوجيه. وذكر بعض المتأخرين أنه مأخوذ من توجيه الفرس. وهو دون الصدف الذي هو تباعد ما بين الفخذين في تدان من العرقوبين في ميل من الرسغين، فيكون أصل ذلك الاختلاف. النفاذ والنفاذ حركة هاء الوصل بالضم والفتح أو الكسر، لأن الهاء كانت في الأصل ساكنة فنفذت فيها الحركة. فالنفاذ بالضم كقوله: وَبَلَدٍ عَامِيَةٍ أعْماؤُهُ وقوله: فَتىً جَمِيلٌ حَسَنٌ شَبابُهُ والنفاذ بالفتح كقول بشر بن أبي خازم: وَغَيَّرَهَا مَا غَيَّر النَّاسَ قَبْلَهَا ... فَبَاتَتْ وَحَاجَاتُ الفُؤَادِ تُصِيْبُهَا والنفاذ بالكسر كقوله: إِنَّ الشِّرَاكَ قُدَّ من أَدِيمِهِ الميم ورى وحركة الدال حذو والياء ردف وحركة الميم مجرى والهاء وصل وحركتها نفاذ. الباب الرابع عدد القوافي القوافي على ضربين: مقيد ومطلق. فالمقيد ينقسم ثلاثة أضرب وسبب التقيد تمام الوزن. ضرب مؤسس كقول الشاعر: نَهْنِه دُعُوْعَكَ، إِنَّ مَنْ ... يَبْكِي عَلَى الحَدْثَانِ عَاجِزْ فتحة العين رس، والألف تأسيس، والجيم دخيل، وكسرتها توجيه، والزاي روى. وضرب مردف كقول طرفة: مَنْ عَائِدِي الليلة أَمْ مَنْ نَصِيحْ ... بِتُّ بِهَمٍ، فَفُؤَادِي قَرِيحْ حركة الزي حذو، والياء ردف، والحاء روي. وضرب مجرد - ومعنى التجريد أنه خال من التأسيس والردف - وهو كقول لبيد: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ ... وَبِإِذْنِ اللهِ رَبْتٌ وَعَجَل فتحة الجيم توجيه واللام روي. وأما المطلق فإنه على ستة أضرب: ضرب مؤسس موصول كقوله: كِلِيني لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِب ... وَلَيْلٍ أُقَاسِيْهِ بَطِئِ الكَوَاكِبِ فتحة الواو رس، والألف تأسيس، والكاف دخيل، وحركتها إشباع، والياء روي وحركتها مجرى، والياء وصل. وضرب مؤسس له خروج. ولذلك يكون وصلة هاء هو كقوله: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ ... في بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا فتحة الواو رس، والألف تأسيس، والفاء دخيل وحركتها إشباع والقاف روي، وحركتها مجرى والهاء وصل وحركتها نفاذ، والألف خروج. وهذه اللوازم أكثر ما تجتمع في القافية من الحروف والحركات. وهي ثمانية على قول من يعتد بالرس، وسبعة على قول من يلغيه. وضرب مردف موصول، كقول تأبط شرًا: يَا عَبْدُ مَالَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإِبرَاقِ ... وَمَرَّ طَيْفٍ عَلَى الأَهْوَالِ طَرَّاقِ فتحة الراء حذو والألف ردف، والقاف روي، وحركتها مجرى، وميله وصل. وضرب مردف موصول وله خروج كقوله: مِنَ الخَفَرَاتِ البِيْضِ وَدَّ جَلِيسُهَاإذا مَا انْقَضَتْ أَحْدُوثَةٌ لَوْ يُعِيدُها حركة العين حذو، والياء ردف، والدال روي، وحركتها مجرى، والهاء وصل وحركتها نفاذ، والألف مخروج. وضرب مجرد لا تأسيس له ولا ردف كقوله: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِبِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ اللام الروي وحركتها المجرى، والياء والوصل. وضرب مجرد له خروج: لا يكون الخروج إلا بعد وصل كقوله: كُلُّ امرِئِ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ اللام روي، وحركتها مجرى، والهاء وصل، وحركتها نفاذ، والياء خروج. قيل: وأول من قسم القوافي هذا القسم الفراء ثم نقله المبرد إلى مختصره. الباب الخامس اللين في القوافي ما يلزمه اللين في القوافي فمن ذلك ما كانت قافيته من المترادف. وهو يأتي في تسعة مواضع على قول الخليل: منها ثاني المديد كقوله: لاَ يَغُرَّنَّ امْرَأَ عَيْشُهُ ... كُلُّ عَيْشٍ صَائِرٌ للزَّوَالْ وثالث البسيط كقوله: إِنَّا ذَمَمْنَا عَلَى مَا خَيَّلْتْ ... سَعْدَ بن زَيْدٍ وَعَمْرًا مِنْ تَمِيمْ وسابع الكامل كقوله: جَدَثٌ يَكُونُ مَقَامُهُ ... أَبَدًا بِمُخْتَلَفِ الرِّيَاحْ وثاني الرمل كقول زيد الخيل:
يَا بَنِي الصَيْدَاءِ رُدُّوا فَرَسِي ... إِنَّمَا يُفْعَلُ هذا بالذَّليلْ عَوِّدُوا مَهْرِي كَمَا عَوَّدْتُهُ ... دَلَجَ اللَّيْلِ وإِبطاءَ القَتيلْ ورابع الرمل كقول الشاعر: لاَنَ حَتَّى لَو مَشَى الدُّرُّ ... عليه كادَ يُدْمِيهْ وأول السريع كقوله: أَزْمَانَ سَلْمَى لا يَرَى مِثْلَهَا الرَّا ... ؤُونَ في شَأمِ وَلاَ في عِرَاقْ والخامس من السريع كقوله: لَمْ تَعُدْ فِي بُؤْسٍ وَلاَ فِي إِقْلاَلْ والثاني من المنسرح كقوله: صَبْرًا بَنِي عَبْدِ الدَّارْ والثاني من المتقارب كقوله: وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ بائِسَاتِ ... وَشُعْتٍ مَرَاضِيْعَ مِثْلَ السَّعَال أنشده الخليل هكذا، وأنشده سيبويه وشعثا بالنصب وبالإطلاق أيضًا. لم يجعله مقيدًا. فصل: وقد زاد سعيد بن مسعدة في الطويل وزنًا رابعًا يجب أن يكون بعد الثاني في قول الخليل لأنه قد سقط منه حرف وحركة. والثاني إنما سقط منه حرف ساكن، وهو الياء من مفاعيلن. وإنما سوغ هذا للأخفش أنه وجد شعوا ينسب إلى امرئ القيس فيه إقواء، فأبى أن يجعل امرئ القيس يقوى، وحمله على ما ذكرت من زيادة ضروب الطويل والشعر: أَحَنْظَلٌ لَو أَحْسَنْتُمُ وَوَفَيْتُمُ ... لأَثْنَيْتُ خَيرًا صَادِقًا وَلأَرْضَانْ ثِيَابُ بَني عَوْفٍ طَهَارى بَقِيَّةٌ ... وَأَوْجَهَهَمْ بِيْضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ قيل أنه وجد وجد في هذه الأبيات إقواء بالرفع وكذلك رآه في قوله الشاعر: كأن عَنيفًا مِنْ مَهَارَةِ ثَعْلَبٍ ... بِأَيْدِي الرِّجَالِ الدَّافِيينَ ابن عَتَّابْ وَفَرَّ ابنُ حَرْبٍ هَارِبًا وابْن عَامِرٍ ... وَمَنْ كَانَ يَرْجو أَن تَؤُوب بِلا آبْ ومثل ذلك قول عمرو بن شأى الأسدي: وكَأسٍ كَمُسْتَدْمَى الغَزَالِ مَزَجْتُهَا ... لأَبْيَضَ عَصَّاءِ العَوَاذِلِ مِفْضَالْ كَآدَمَ لَمْ يُؤْثِرْ بِعِرْنينِهِ الشّبا ... وَلا الحَبْلُ يُحْسَاهُ القُرُومُ إذا صالْ وإذا تجنبت الأقواء بالنصب هذا التجنب دخل في كثرة من الأوزان زيادة. فصل: ومما يلزمه اللين، كل ضرب نقص عن الضرب الذي قبله بحرف متحرك. فكأنهم جعلوا ما في اللين من المد عوضًا من ذلك الحرف. وإذا كان حرف اللين واوًا أو ياء فاجتناب الفتح قبلها أحسن؛ فيضم ما قبل الواو، ويكسر ما قبل الياء. على أن الفتح قد ورد واستعمل، وقد أباه قوم وقالوا: لا يكون إلا بضم ما قبله. فيلزم اللين على ما تقدم ذكره ثالث الطويل؛ كقوله: طحا بك قَلْبٌ في الحسَان طَرُبُ ... بُعَيْدَ الشّبَابِ عَصْرَ حان مَشِيْبُ ضربه فعولن والذي قبله مفاعلن، فوزن فعولن مفاعل ساكنة اللام. فقد سقطت حركة اللام وسقطت النون. فهذا بمنزلة سقوط حرف متحرك. ومن ذلك ثاني البسيط، كقول عبدة بن الطبيب: هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الهَجْرِ مَوْصُولُأَمْ أَنْتَ عَنْهَا بَعيدَ الدَّارِ مَشْغُولُ فذا الضرب فعلن والذي قبله فاعلن في أصل الدائرة. فزنة فعلن فاعل بسكون اللام، وسقط منه قدر حرف متحرك. ويلزم اللين ثاني الكامل وتاسعه - وفي التاسع خلاف - وثاني الرجز، وقالت السريع - وفيه خلاف -. ومما ورد بغير لين قوله: أَنْزَلَني الدَّهْرُ عَلَى حُكْمِهِ ... مِنْ شَامِخٍ عَالٍ إلى خَفْضِ وبَزَّنِي الدَّهْرُ ثِيابَ الغِنَى ... فَلَيْسَ لِي مَالٌ سِوى عِرْضِي وخامس الخفيف، وسادس المتقارب وهو: تَجَلَّدْ وَلا تَبْتَئِسْ ... فَمَا نَقْص بِآتِيكَا المد واللين في الوصل النشيد والترنم الغرض في اختيارهم حروف المد واللين الموصل ما يتأتى فيها من مد الصوت، وإنه يمكن فيها من ذلك ما لا يمكن في غيرها. وشاركت الهاء حروف المد واللين في الوصل لخفائها، ولأنها تبين بها الحركة كما تبين بالألف، فتقول علية كما تقول أنا ثم يذهبان في الوصل. قال سعيد بن مسعدة: قد دعا قوما خفاؤها إلى أن قالوا مُرْيُهْ فضموا الباء لتبين الهاء. وإذا وقفوا عليها قالوا: هذا طلحت بالتاء.
وإذا نطق بالشعر على سبيل الحداء والغناء والترنم، فقد اجمع على إلحاق الألف والواو والياء؛ لأن الترنم يمد فيه الصوت أكثر من مده في النشيد. والمقصود به وبالغناء والحداء والمد. فيقولون: قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبيْبٍ وَمَنْزِلِيبِسِقْطِ اللِّوَى بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِي وقال النمر بن تولب: يَسُرُّ الفَتَى طُوْلُ السَّلامَةِ والغِنَى ... فَكَيْفَ تَرى طُوْلَ السَّلامَةِ تَفعَلُ فصل: فإذا أرادوا النشيد فقد اختلف في الوقف. والأحسن أن تعطى كل حركة حقها. فمنهم من يقف على الروي بالسكون فينشد: أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلُ وَالعِتَابْ ... وَقُولِي إنْ أَصَبْتُ لّقّدْ أصَابْ وكذلك يفعل في المضموم والمكسور. فإذا أتى في القصيدة المنصوبة ما هو منون من مصدر أو غيره وقفوا بالألف كقوله: وَوَجْدٍ طَوَيتُ يَكادُ مِنْهُ ... ضَمِيرُ القَلْبِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا ويختارون الوقوف بالألف في الوزن القصير كقوله: أَعْطَى عَطَاءً حَسَنا وَرِزْقَا ومنهم من لا ينون شيئًا، وهم أهل الحجاز، فينشدون القصيدة من أولها إلى آخرها ولا ينونون شيئًا على ما مضى في الترنم. ومنهم من يعطي كل قافية قسطها فينون المنون ويجري ما ليس منونًا على صلاته فينشد: قِفَا نَبْت مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِبِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِنْ وينشد ............. مَنْ جَنُوبِ وَشَمْأَلِنْ وينشد ............. بِرَبَّا القَرَنْفُلِن ومنهم من يحذف واو الجميع فينشد: لا يُبْعِدُ اللهُ جِيرَانًا لَمَال ظَعَنُوالَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَداةِ البَيْنِ مَا صَنَعُ وينشد أيضًا بقوله: جَزَيْتُ ابنَ أَوْفَى بِالمدينةِ قَرْضةُ ... وَقُلْتُ لِشُّفَاعِ المَدِينَةِ أَوجِفُ يريد أوجفوا: وهذا أقبح من حذف الصلات لأن هذه الواو هنا مفيدة معنى. وقد أجرى من حذف الصلات الياء التي من الأصل، مجرى الياء التي للوصل، فأنشد: وَلأنْتَ تَفْرِي ممَا خَلَقْتَ وَبَعضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِ بحذف الياء من يفرى وكذلك واو يدعو إذا كانت العين للروي. فإن كانت روي الشعر فلا يجوز حذفها. ومنهم من يحذف بالإضمار. قال سعيد بن مسعدة: أخبرني من أثق به، أنه سمع من العرب: وَهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ ... وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكاظَ إنِّ يريد إني. ومن العرب من ينون ما يجوز فيه التنوين وما لا يجوز فينشد: أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضُ هَذَا التَّدَلُّلِنْوَإنْ كَنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرمِي فَاجْمِلنْ ويحكى أن رؤبة أنشد قصيدته التي أولها: وَقَائِمِ الأعْمَاقِ خَاوِي المُخْنَرَقْ فنونّ جميع قوافيها. قال قطرب: حدثني من سمعه ينشدها بالتنوين، قال بعضهم: إنما فعل ذلك لأنه اعتاد التنوين في غيرها. وقال بعضهم: إنما إن بمعنى نعم. فكأنه أتبع كل بيت نعم على حد التخفيف للهمزة. وهذا أقبح ما يستعمل في الإنشاد لخروجه عن الوزن، ولأنه لا يستعمل في الكلام المنثور. وكلما كانت الصلة من الأصل مثل واو يدعو وألف يخشى وياء يرمي كان حذفها أبعد. وقد أنشد بعضهم قول يزيد بن الحكم الثقفي: جَمَعْت وَفحشًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... ثَلاَثَ خِلالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِ وأنشد قطرب: تُكَاشِرُنِي كَرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ ... وَغَيبُكَ يُبْدِي أنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِ يريد دوى. وأنشد أيضًا: عَدُوُّكَ يَخْشَى صَولَتي أَنْ تَرُومُني ... وَأنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِ يريد بمستوٍ. وهذا قبيح من أجل أنه حذف حرفًا أصليًا. قال بعض أهل العلم: الأحسن إثبات الياء من قبل أن الواو إذا كانت قبلها فتحة، انقلبت ألفًا. كما يفعل بها في الترخيم. الباب السادس عيوب القافية الإقواء
الإقواء اختلاف الإعراب، مأخوذ من قوى الحبل المختلفة الفتل، مثل أن يأتي الشاعر بالضم مع الكسر أو بالكسر مع الضم. ولا يكادون يأتون إقواء بالنصب، فإذا وجد هذا فالأجود تسكينه. وأنشد المبرد: تُكَلِّفُنِي سَويقَ الكَرْمِ جَرْمٌ ... وَمَا جَرْمٌ وما ذاكَ السَّوِيقُ وَمَا شَرِبُوهُ وَهْوَ لَهُمْ حَلاَلٌ ... وَلا قَالُوا بِهِ في يَومِ سُوقِ فَأَوْلَى ثَمَّ أوْلى ثَمَّ أوْلَى ... ثَلاثًا يَا ابْنَ عَمْروٍ أنْ تَذُوقا فجمع ثلاث الحركات - وهذا شاذ. وقد مضى الكسر مع الضم كقول الحارث بن حلزة: آذَنَتْنَا بِبَينِهَا أسْماءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ ثم قال: مَلَكَ الحارِثُ بُن ماءِ السَّمَاءِ وقال النابغة: أَمِنْ آل مَيَّةَ رَائِحٌ أَمْ مُفْتَدِي ... عَجْلانَ ذَا زَادٍ وَغَيْرَ مُزَوَّدِ ويروى أنه قال فيها: زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا ... وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأسْوَدُ وأنه قال أيضًا فيها: غَنَمٌ يَكادُ مِنَ اللَّطَافَةِ يُعْقَدُ فقيل له في ذلك فلم يعرفه حتى أحضرت له قينة فغنت به ومدت صوتها فغيره. وقال آخر: أَكَلْتَ شُوَيْهَةَ وَفَجَعْتَ قَوْمًا ... بِشاتِهِمُ وَأَنْتَ لَهُمْ رَبيبُ غُذِيتَ بِدَرِّها وَرَويت مِنْهَا ... فَمَنْ أَنْبَاكَ أنَّ أبَاكَ ذِيبُ إذا كانَ الطِّباعَ طِبَاعَ سَوْءٍ ... فَلَيْسَ بِنَافِعٍ أَدَبُ الأدِيبِ وهذا غلط من العرب لا يجعل مثالًا ولا يقاس عليه. ويجوز أن يكون الوقوف على أواخر الأبيات يسوغ ذلك لهم. وأنهم يرون كل بيت قائمًا بنفسه، كما رواه العجير السلولي في قوله: فَقَالَ لِخِلَّيْهِ ارْحَلا الرَّحْلَ إنَّني ... بِعَاقِبَةٍ وَالعَاقِبَاتُ تَدُورُ فَبَيْنَاهُ يَشْرَى رَحْلُهُ قال قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاطِ يَجيبُ قيل إن قائلة أنشده كذلك فنهي عنه فلم ينته. وذهب قوم إلى أن الإقواء هو الإقعاد الذي تقدم ذكره. وذهب آخرون إلى أنه الإكفاء الإكفاء وأصل الإكفاء القلب أو المخالفة، قال ذو الرمة: وَدَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَرَى وَجْه رَكْبِهَا ... إذا ما عَلَوْهَا، مكْفأَ غَيْرَ سَاجِع الساجع: المتتابع، والإكفاء في الشعر اختلاف الروي، ومن العرب من جعله الفساد في آخر البيت من غير أن يحده بشيء. وأنشد ابن مسعدة: وَلَمَّا أصابَنِي مِنَ الدَّهْرِ بَنْوةٌشُغِلْتُ، وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُئُونُهَا إذا الفَارِغُ المَكفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُأَبَرَّ، وَكَانَتْ دَعْوَةً يَسْتَدِيْمُهَا فأتى بالميم مع النون لتقارب مخرجيهما. ومن ذلك قول العجير السلولي: أَلا قَدْ أَرى إن لم تَسْكُنْ أُمُّ مَالِكٍ ... بِمِلْكِ بَدى إنَّ البَقَاءَ قَلِيلُ رَأى مِنْ رَفِيقَيهِ جَفَاءً وَبَيْعَة ... إذا قَامَ يَبْتَاعُ القِلاَصَ ذَمِيمُ فَقَالَ لِخِلَّيهِ ارْحَلا الرَّحْلَ إنني ... بِمُهْلِكَةٍ وَالعَاقِبَاتُ تَدُورُ فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قالَ قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاط نَجيبُ وقال رؤبة بن العجاج: قُبِّحْتِ مِنْ سَالِفَةٍ وَمِن صُدُغْ ... كَأَنَّهَا كُشْيَةُ ضَبٍّ فِي صُقُعْ جمع بين العين والغين، وقال آخر: بَنَاتُ وَطَّاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيْلِ ... لإِمِّ مَنْ لَمْ يَتَخِذْهُنَّ الوَبْل لا يَشْتَكِينَ عَمَلًا ما أنْقَينْ ... ما دامَ مُخٌّ فِي سُلامى أَوَ عَين وقال آخر: هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ بِذِي أقْبَاضِ ... لَمْ يَبْقَ فِيهاَ دِيَمُ الرَّدادِ إلا الأثَافِيُّ عَلَى وِجَادِ وقال آخر: إنْ يَأتِنِي لِصٌّ فإنِّي لِصُّ ... أَطْلَسُ مِثْلُ الذِّيبِ إذ يَعْنَسُّ سَوقى حُداءٌ وَسَفيري بَسُّ وقالت امرأة من العرب: فَلَيتَ سِمَاكِيًّا تحَارُ ربابُهُ ... يُقَادُ إلى أَهْلِ الغَضَى بِزِمَامِ وقال آخر: إذا نَزَلَتُ فاجْعَلاَنِي وَسَطَا ... إنِّي شَيخٌ لاَ أطِيقُ العُنَّدَا
العنّد: جمع عنود، وهي الناقة الصعبة. وقال آخر: جَارِيةٌ من ضَرَّةَ بن أُدِّ ... كَأَنَّ تَحْتَ دِرْعِهَا المُنْعَطِّ شَطًّا أُمِرَّ فَوْفَهُ بِشَطِّ ... لَمْ يَنْزُ فِي البَطْنِ وَلَمْ يَنْحَطِّ وهذا كله إكفاء. وذهب قطرب إلى أن الإكفاء تغير الحركات، وإلى أن الإقواء تغير حرف الروي. البدل وهو تغير حرف الروي على غير ما تقدم ذكره في الإكفاء. ومن ذلك قوله: يَا قَبَّحَ اللهُ بَنِي السَّعْلاتِ ... عَمْرًا وَفَانُوسًا شِرَارَ النَّاتِ لَيْسُوا بِأَخْيَارٍ وَلاَ أَكْيَاتِ يريد الناس وأكياس، فأبدل حرف الروي لضرورته إلى ذلك. وهذا أقبح من الإكتفاء وأقل. قيل سبب هذا الشعر أن عمرو بن يربوع بن حنظلة من بني تميم تزوج السعلاة. فقال له أهلها: إنك لا تزال معها بخير ما لم تر برقًا. قال: فجعل عمرو إذا لمع البرق ستر وجهها عنه. ثم إنها رأته ذات ليلة، فقعدت على بكر وقالت: أمْسِكْ بَنيِكَ عَمْرُو إنِّي آلِقُ ... بَرْقٌ عَلَى أرْضِ السَّعَالِي آلِقُ ويروى لعمرو في ذلك: رَأى بَرْقًا فَأوْضَعَ فَوْقَ بَكْرٍ ... فَلا بِكَ مَا أَغَامَ ولا أسَالا قوله: فلا بك مثل قوله: لا والله، ولا البيت. فقال بعضهم الأبيات المتقدمة يهجو أولاد عرو. ومن البدل قول الشاعر: إذَا ما المرء صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ... وَأعْيَا سَمْعَهُ إلاَّ نِدَابَا وَلاَعَبَ بِالعَشِيِّ بَنِي بَنِيه ... كَفِعْلِ الهِرِّ يَلْتَمِسُ العَطَايَا فَلا تَظْفَرْ يَداهُ وَلاَ يَؤُوبَنْ ... وَلاَ يُعطَى مِنَ المَرَضِ الشَّفَايَا فَذَاكَ الهَمُّ ليس له دواءٌ ... سِوَى المَوْتِ المُنَطَّقِ بِالمَنَايا فقلب الهمزات الثلاث ياءات لإتيانه بالمنايا، وهذا مما يجب ألا يلتفت إليه، ولا يقاس عليه. الإيطاء وهو إعادة القافية في الشعر، مأخوذ من قولك: وطئت الشيء، وأوطأته سواي. وهذا عائد إلى الموافقة قيل: ومنه قوله تعالى: " ......... ليواطئوا عدة ما حرم الله ". أي ليوافقوا. وأقبح الإيطاء ما تقارب مثل أن يكون البيتان متجاورين أو بينهما بيت أو اثنان أو ثلاثة على قدر ذلك. ومن أقبحه ما ينشد لابن مقبل: نَازَعَتْ أَلْبَابُهَا لُبِّي بِمُخْتَصَرٍ ... مِنَ الأَحَادِيثِ حَتَّى زِدْتُهُ لِينَا ثم قال: مِثلَ اهتِزَازِ رُدَينِيٍّ تَعَاوَرَهُ ... أيدِي التِّجَارِ فَزَادُوا مَتْنَهُ لِينَا فإن اتفق اللفظ واختلف المعنى لم يكن ذلك إيطاء كما أنشد المبرد: أأسْلَمْتَنِي يَا جَعْفَرُ بْنَ أبِي الفَضْلوَمَنْ لِي إذا أسْلَمْتَنِي يَا أبا الفَضْلِ فَقُلِ لأبي العَبَّاسِ إن كُنْتُ مُذْنِبًافَأنْتَ أحَقُّ النَّاسِ بالأخْذِ بِالفَضْلِ وَلاَ تَجْحَدُونِي وُدَّ عِشْرِينَ حِجَّةًوَمَا تُفْسِدُوا مَا كانَ مِنْكُم مِنَ الفَضْلِ والأول كنية والثاني من العفو والثالث من الإعطاء والتفضل. فإن جاء في بيت رجل وفي بيت آخر الرجل بالألف واللام، لم يكن ذلك عندهم إيطاء. وكذلك إذا قلت: يضرب، وأنت تضرب، وأنا أضرب، لم يكن ذلك إيطاء، لاختلاف المعاني. وقال بعضهم: هو الإيطاء. وكذلك إذا قلت: ذهب من الذهاب، ثم قلت: ذهب تريد المصوغ، لم يكن إيطاء، فإن قلت زوج تريد المرأة، ثم قلت: زوج تريد الرجل، فذلك إيطاء، لأنه يقال لهما: زوجان. قال تعالى: " ......... من كل زوجين اثنين ". فإن أردت بالزوج النمط، لم يكن ذلك إيطاء. وكذا إذا قلت العين تريد عين النظر، ثم قلت العين تريد عين السحاب والعين تريد عين الماء، والعين مصدر عانه يعينه إذا أصابه بعينه، والعين الذهب، وما بالدار من عين أي أحد، وعين الركبة: النقرة عن تمين الرضفة وشمالها، لم يكن في شيء من ذلك إيطاء. فإن قال: شيء يريد غير الأول كان ذلك إيطاء، لأن قوله: شيء لا يختص بهذا دون هذا. فإن قلت: كذا ثم قلت: بذا ولذا فقد قيل: إنه ليس بإيطاء. وكذلك إن قلت: رمى بك ومضى بك قال قوم: مضى بك اسم مضمر والمضمر مع ما قبله بمنزلة شيء واحد فليس بإيطاء.
وذا اسم ظاهر، فإذا قلت: بذا ولذا كان إيطاء، وقال قوم: إن جعلت الروي الألف من ذا فهو إيطاء، لأن اللام والباء مع ذا قد صارتا كالشيء الواحد. فإن قلت: عرس تريد المرأة، وعرس تريد الرجل، فهو إيطاء كالزوج والزوج تقول العرب: هذا عرس، وهذه عرس: قال العجاج: أَكْرَمُ عِرْسٍ جُبِلا وَعِرْسِ يريد: أكرم رجل وامرأة جبلا. فإن قلت: غلامى وغلام منكرًا، لم يكن إيطاء. قيل: وقدم رجل لأعرابي لونًا من الطعام مرتين فقال: أوطأت في طعامك. فصل: قال خلف الأحمر: لو قلت برجل ولرجل لم يكن إيطاء لاختلاف المعاني، ويقول: إن قول الراجز: إِنَّكَ لَوْ أكَلْتَ خُبْزًا صَالِحًا ... ثُمَّ أدِمْتُ الخُبْزَ أدْمًا صَالِحًا لُقْتُ بِالقَوْمِ سِيَاقًا صَالِحا ليس بإيطاء لاختلاف ما قبله. وقاسه على الياء والكاف في المضمر، إذا قلت: عندي، ومنّى، ولك، بك بينهما فرق لأن المضمر مع ما قبله كالشيء الواحد وليس كذلك الظاهر ومما أوطئ فيه باتفاق اللفظ والمعنى قول الراجز: يَارَبِّ إنِّي رَجُلٌ، كمَا تَرَى ... عَلَى قَلُوصٍ صَعْبَةٍ، كَمَا تَرَى أخَافَ أنْ تَصْرَعَنِي كَمَا تَرَى قال بعض أصحاب القوافي: فخذ بتحريك الخاء مع فخذ بإسكانها إيطاء. وفي هذا نظر من جهة العروض، لأن فعلن لا يجتمعان إلا في رابع السريع المقيد، وفخِذ وفخِذْ وعُنُق وعَنْق إنما يماثلهما فعلن وفعلن بالتنوين الذي فيهما. وإذا نونا لم يلزم هناك تقييد. والشعر المطلق لا يجوز أن يكون قبل رويه تارة ساكن وتارة متحرك، إلا أن يكون من قال هذا أراد شعرًا على ووي الكاف كاف الخطاب، فَخِذك بكسر الخاء، ثم يقول فَخْذك بسكونها. وقد روى في بعض ضروب الكامل شعر مبني على فعلن وفعلٌ. وهذا شاذ. السناد وأصله الاختلاف. يقال: خرج القسوم متساندين. أي: لم يتبعوا رئيسًا واحدًا. ويقال: إن قريشًا خرجوا يوم الفجار متساندين. وقد ذكرت العرب السناد. وقال ذو الرمة: وَشِعْرٍ قَدْ سَهِرْتُ لَه كَرِيم ... أُجَبِّبُهُ المُسَانَدَ والْمَحَالا وقال جرير بن عطية: فلا إِقواء إذْ مَرِسَ القَوافِي ... بِأَفْوَاهِ الرِّوِاةِ وَلا سنَادا وقال عدي بن زيد بن الرقاع العاملي: وقَصِيدَةِ قَدْ بِتُّ أُجْمَعُ شَمْلَهَا ... حَتَّى أُفَوِّمَ مَيلَهَا وَسِنادهَا وقال أبو حزام العكلي: قَوَافٍ عَلَى الهَاءِ سَحْجِيَّة ... بِغَيرِ السِّنَادِ ولا المَكْفُوءَةَ والسناد على ضروب، جميعها قبل الروي، فمن ذلك ما ليس بمكروه، وهو تعاقب الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها في ردف القصيدة الواحدة، وذلك مجمع على استعماله، ولا يحاط بكثرته. ومنه ما هو مكروه، وذلك ينقسم أقسامًا. فمنه ما هو في التأسيس، كقول العجاج: يا دارَ سَلْمى يا لسلمى ثُمَّ اسْلَمى ... بِسَمْسَمٍ أَو عَنْ يَمينٍ سَمْسَمِ ثم قال: فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذا العَالَمِ وكان رؤبة يعيب ذلك على أبيه، وقيل كأن الهمزة من لغة العجاج. فإن صح ذلك، فإن الهمزة في العالم يخرجه من السناد. وكذلك الكلام في قوله فيها: مُكَرَّمٌ للأنبياء خَاتِمُ إما أن يهمز فلا يكون سنادًا، أو بترك الهمزة فيكونه، والهمزة بتأتي في خاتم إذا فتحت التاء، فإن كسرت فلا يهمز؛ لأنه يصير فاعلًا من الختم. ومن السناد اختلاف حركات الدخيل كقول ورقاء بن زهير: دَعَاني زُهَيْرٌ تُحْتَ كَلْكَلِ خَالِدٍ ... فَأقْبَلْتُ أسعَى كالعَجُولِ أُبَادِرُ فَشُلَّتْ يَمِيني يَوْمَ أَضْرِبُ خَالِدًا ... وَيَمْنعُهُ مَنِّي الحَدِيدُ المُظَاهَرُ ففتح الهاء مع كسر الدال. ولو كانت مع الكسرة ضمة لكان أقل من العيب. ومن السناد أن يجئ حذو مفتوح وحذو غير مفتوح. نحو قوله: عَبْدُ شَمْسِ أَبِي كُنْتِ غَضْبَى ... فَامْلَئِي وَجْهَكِ المَليحَ خُمُوشَا نَحنُ كُنَّا سُكَّانَهَا مِنْ قُرَيش ... وَبِنَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا وقال عبيد بن الأبرص:
فَإنْ يَكُ فَاتَني وَمَضى شَبَابِي ... وَأصْبَحَ عَارِضِي مِثْلَ اللُّجَينِ فَقَدْ أَلِجُ الخِبَاءَ عَلَى عَذَارى ... كأنَّ عُيُونَهُنَّ عُيُونُ عِينِ ومن السناد أن يجئ ردف مضموله ما قبله مع غير ردف، كقوله: إذا كُنْتَ فِي حَاجَةٍ مُرْسِلًا ... فَأرْسِلْ لَبِيبًا وَلاَ تُوصِه وَإنْ بَابُ أَمْرٍ عَلَيْكَ الْتَوَى ... فَشَاوِرْ حَكِيمًا وَلاَ تَعْصِهِ قالوا وفي توصه ردف محض وفي الناس من يهمز الواو وإذا انضم ما قبلها فعلى ذلك لا يكون سنادًا. ومن السناد ورد ياء مشددة مفتوح ما قبلها مع ياء مشددة مكسور ما قبلها. كقول عمرو بن الأطنابة: أبْلِغِ الحَارِثَ بْنَ ظَالِمٍ الرّعديد وَالنَّاذِرَ النُّذُورَ عَلَيَّا إِنَّمَا يُقْتَلُ النِّيَامُ ولا يُقْتَل مَنْ كانَ ذَا سِلاحٍ كَمِيَّا وذلك بمنزلة قول الشاعر: فَبَايعَ أمْرَهُمْ وَعَصى قَصيِرًا ... يَكادُ يَقُولُ لَوْ نَفَعَ اليَقِينَا وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيهِ ... وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا وَمَينا وبمنزلة ما تقدم لعبد بن الأبرص. ومن السناد اختلاف التوجيه في الشعر المقيد، وهو أن يجئ ما قبله الروي تارة مضمومًا وتارة مفتوحًا وتارة مكسورًا، وبعضهم لا يرى ذلك سنادًا. فأما الشعر المطلق، فاختلاف ذلك ليس فيه بعيب. الإجازة وقد اختلف فيها، فمنهم من يجعلها للاختلاف في التوجيه بالفتح كقول امرئ القيس: وَالْيَوْمَ قَر ومنهم من يجعلها اختلاف الروي مثل قوله: قُبِّحْتَ مِنْ سَالِفَةٍ وَمِنْ صُدُغْ ... كَأنَّهَا كُشْيَة ضَبٍّ في صُقُعْ ومنهم من يجعلها ورود عروضين في قصيدة. كقول عبيد: مَنْ يَسْأَل النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وَسَائِلُ اللهِ لا يَخِيبُ ثم قال فيها: سَاعدْ بِأَرْضٍ إذا كُنْتَ بِهَا ... وَلاَ تَقُلْ إنَّنِي غَرِيبُ فعروض الأول قعولن وعروض الثاني مفتعلن. ويقال: إن اشتقاق الإجازة من أجزت الحبل إذا خالفت بين قواه. ومنهم من يقول: الإجازة غير معجمة. ويذهب إلى تغيير الروي. واشتقاقها من أجرت بده إذا. ذكر الإجازة معجمة ابن دريد، قال إنها عيب. التضمين وهو تمام وزن البيت قبل تمام المعنى، كقول النابغة: هُمُ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ ... وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكاظَ، إنِّي شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صَادِقَاتٍ ... بِخَيْرِهِمُ بِنُصْحِ الصَّدْرِ مِنِّي وبعض الناس يسمي هذا إغرامًا، ويجعل التضمين مثل قوله: أَمَاوِيَّ إِنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بِقَفْرَةٍمِنَ الأَرْضِ لا مَاءٌ لَدَيَّ وَلاَ خَمْرُ تَرى أَنَّ مَا أَمْلَلْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِيوَأَنَّ يَدِي مِمَّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ ومعنى التضمين والإغراء عائد إلى شيء واحد في اللغة، كما تقول: ضمنتك كذا وأغرمتك إياه. ويكون معناهما ألزمتك إياه. فكأن الشاعر قد ألزم البيت الثاني في إتمام الحال ومن ذلك سمي الغريم غريمًا لملازمته. قال تعالى: " إن عذابها كان غرامًا ". المعاظلة ومن العيوب المعاظلة، وأصله التعاظل. يقال: تعاظلت الجرادتان، وعاظل الرجل المرأة. ومنه قول بعض الصحابة: بارك الله في زهير؛ كان لا يعاظل كلامه وذهب قوم إلى أنه كالتضمين. قال أبو الفرج قدامه: هو قبيح الاستعارة. كقول أوس بن حجر: وَذَاتِ هِدْمٍ عَارٍ نَوَاشِرُهَا ... تَصْمِتُ بِالمسَاءِ تَوْلَبًا جَدِعَا فاستعار التولب - وهو ولد الحمار للصبي. التحريد ومن العيوب التحريد والتحريد الميل. ومنه قول جرير: نَبْنِي عَلى سَنَنِ العَدُوِّ بُيُوتَنَا ... لا يَسْتَحيرُ وَلا يَحُلّ حَرِيدا أي لا يميل عن الطريق. ولم يحد بشيء. وقد ذكره النابغة، فقال: وَعْثُ الرِّوَايَةِ بَادِي العَيبِ مُنْتَكِبٌ ... فِيهِ سِنادٌ وَإِقْوَاءٌ وَتَحْرِيدُ
وكان الخليل يرتب الشعر ترتيب بيت الشعر، فسمي الإقواء. وهو اختلاف في الإعراب - أقوى الفاتل الحبل به جاءت قوة منه تخالف سائر القوى - وسمي السناد سنادًا من مساندة بيت إلى بيت إذا كان كل واحد منهما يلقى على صاحبه. وسمي الإكفاء وهو ميل نون مع ميم من فساد كقوة البيت وهي الشقة التي في آخره والإيطاء من طرح بيت على بيت وأصله أن يواطئ شيء شيئًا وقد مضى ذكره.
لَمْ تُدْعَ ذَا السَّيْفَيْنِ إلاَّ نَجْدَةًبِكَ أَوْجَبَتْ لَكَ أَنْ تَقَلَّدَ آخَرَا وأرى أن هذه اللفظة أعني آخر يسهل على الغريزة إشراكها في قوافي التجريد من وجهين: أن التأسيس أكثر ما ورد بكسر الدخيل. وقد يوجد مضمومًا. فأما الدخيل المفتوح فقليل جدًا. فلما كانت الخاء مفتوحة كانت خالية من التأسيس. والوجه الآخر: أن هذه الألف التي هي التأسيس في آخر كانت في الأصل همزة، وإنما صارت مسدة لعلة. فكأن الحس من الغريزة يقع بتلك الهمزة الأصلية. وقد أتى امرؤ القيس بمثل ذلك فقال: إذَا قُلْتُ هَذا صَاحِبٌ قَدْ رَضِيْتُهُ ... وَقَرَّتْ بِهِ العَيْنَانِ بُدِّلْتُ آخَرَا كَذِلِكَ حَظِّي ما أُصَاحِبُ صَاحِبًا ... مِنَ النَّاسِ إلا خَانَنَي وَتَغَيَّرَا وقد أتى أبو عبادة مرفوضًا بالإجماع فأسس مع الانفصال وعدم الضمير في قوله: لا يُلْحِقَن إلى الإِسَاءَةِ أُخْتَهَا ... شَرُّ الإساءَةِ أَنْ تُسِئَ مُعَاوِدا وَارْفَعْ يَدَيْكَ إلى السّمَاحَةِ مُفْضِلًا ... إنَّ فِي القَومِ لِلأَعْلَى يَدَا شَرْوَى أَبِي الصَّقْرِ الَّذي مَدَّتْ له ... شَيْبَانُ فِي الحَسَناتِ أَبْعَدَهَا مَدَى وَيَسُرَّني أَنْ لَيْسَ يُلْزَمُ شِيْمَةًمِنْ مَعْشَرٍ مَنْ لَيْسَ يُكْرَمُ مَوْلِدَا وهو قبيح جدًا. الردف وهو مأخوذ من ردف الراكب لأن الروي أصل فهو الراكب، وهذا كردفه. وهو يكون من أحد ثلاثة أحرف: الواو، والألف، والياء. وقد تكون الواو ردفا مع ضم ما قبلها وفتحه، وكذلك الياء مع كسر ما قبلها وفتحه. والياء التي قبلها كسرة تسمى الحزم المرسل، والتي قبلها فتحة تسمى الحزم المنبسط. وكذلك هو في الواو، إذا انضم ما قبلها أو انفتح. ويقال أيضًا لما انفتح ما قبله من الياءات والواوات الثواني. فأما الألف فلا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ولا تكون إلا ردفاَ محضًا. والردف ما كان الروي بعده بغير حاجز في المطلق والمقيد. فالذي ردفه واو قبلها ضمة قول الشاعر: فَلَسْتُ لإِنْسِيٍّ وَلكِنْ لِمَلْأكٍ ... تَحَدَّرَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ والذي ردفه واو قبلها فتحة قول الراجز: وَمَشْيُهُنَّ بِالخَبيبِ مَؤرُ ... كَمَا تَهَادى الفَتَيَاتُ الزَّوْر وكقول الشاعر: يا أيها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتُه ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وكقول: لَئِن كُنْتَ لا تَدْرِي مَتى أنْتَ مَيِّتٌ ... فإِنَّكَ تَدْرِي أَنَّ غايَتَكَ المَوتُ وكقول بعض المحدثين وينسب إلى بعض ملوك الهند: ثِنْتَانِ مِنْ هِمَّتي لا يَنْقَضي أَسَفِي ... عَلَيْهمَا أَبّدًا مِنْ خِشْيَةِ الفَوْتِ لَمْ أَحبْ منتجع الدُّنْيا بِجُمْلَتِها ... وَلا حَمَيْتُ الوَرَى مِنْ صَوْلَةِ المَوْتِ والذي ردفه ألف كقول امرئ القيس: وَهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الهُمُومِ مَا يَبِيْتُ بِأوْجَالِ سئل بعضهم عن معنى هذا البيت فقال: هو كما يقال: عاش من لا عقل له. والذي ردفه ياء مكسور ما قبلها قول الشاعر: وَكَأَينَ رَأَيْنَا مِنْ غَنيٍّ مُذَمَّمٍ ... وَصُعْلُوكِ قَوْمٍ ماتَ وَهْوَ حَمِيدُ وما كان ردفه ياء مفتوح ما قبلها فقوله: بَنَاتُ وَطَّاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيل ... لا يُشْتَكِينَ عَمَلًا ما أَنْقَيْنْ وأصحاب الشافعي ينشدون أبياتًا على هذا المنهاج يستدلون بها على أن الطلاق في غير الأزواج من طريق اللغة. ولا شك أنها لبعض المحدثين وهي: خُذْهَا إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طَالِقٌ ... مِنِّي وَلَيْسَ طَلاَقَ ذَاتِ البَيْنِ فَإِنِ ارْعَوَيْتَ فإِنَّهَا تَطْلِيقَةٌ ... وَيَدُومُ وُدُّكَ لِي عَلَى ثِنْتَيْنِ وَإنِ التَوَيْتَ شَفَعْتُهَا بِمِثَالِهَا ... فَيكُونُ تَطْلِقَيْنِ في ظَهْرَيْنِ وَإذا الثَّلاثُ أَتَتْكَ مَنِّي بُتَّةً ... لَمْ تُغْنِ عَنْكَ وِلايةُ السِّرَّيْنِ وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوز. وقد استعملت الشعراء ذلك.
ومما ورد بالفتح أيضًا قول الشاعر: لَعَمْرُكَ ما أَخْزَى إذا ما سَبَيْتَنِيَ ... إذا لَمْ نَقُلْ بَطْلًا عَلَيَّ وَمَيْنَا وَلَكِنَّما يَخْزَى امْرُؤ تَكْلِمُ اسْتَهُ ... قَنَا قَوْمِهِ إذا الرِّمَاحُ هَوَيْنَا وقد ذكر ما ذهب إليه سيبويه أبو بكر الخزاز العروضي. فأما الواو والياء فتتعاقبان إذا كانتا ردفين في القصيدة الواحدة، فتكون الواو ردفًا في بيت والياء في آخر. فيأتي الواو المضموم ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها؛ الواو المفتوح ما قبلها مع الياء المفتوح ما قبلها. ولو سلمت القصيدة على شيء واحد، لكان أحسن، لا سيما إن كانت القافية منفذة. الصلة وتسمى الوصل أيضًا وهي حرف يكون بعد الروي متصل به. ويكون أحد أربعة أحرف: الواو، والألف، والياء، والهاء. وقد تكون الهاء في الوصل أربع حالات، ضم وفتح وكسر وسكون ولا يكون غيرها إلا ساكنًا. وقد يقع في الوصل اشتراك في معنى الحرف، والحرف بحاله فيشارك الواو التي للترنم؛ الواو التي تلحق فعل الجميع؛ وتشارك الألف التي للترنم، التي للتثنية؛ والألف التي هي أصلية. وتشارك الياء التي للترنم؛ الياء الأصلية. وتشارك الياء التي للضمير الهاء الأصلية. فالواو التي للترنم كقول الفطامي: قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بعدَ حَاجَتَهُ ... وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعجِلِ الزَّلَلُ والواو التي لفعل الجميع مثل قوله في هذه القصيدة: فَلا هُمُ صَالَحُوا مَنْ يَبْتَغِي عَنَتِيوَلا هُمُ كَدَّرُوا الخَيْرَ الِذِي فَعَلُوا وذلك جائز لا محالة. وأما الألف التي للترنم فكقوله: وَمَعْصِيَةُ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ مِمَّا ... يَزِيدُكَ مَرَّةً مِنْهُ استِماعَا ويجوز أن يشاركها ألف مراعى وتداعى وكقول العجاج: فمن يَعْكفْنَ بِهِ إذا حَجَا ... عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الفَنْزَجَا وأما الياء التي للترنم، فكقوله: وَلَو أَنَّني أَسْعَى لأدنى مَعِيْشَةٍ ... كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُب قلُيلٌ مِنَ المَالِ وقد أتى في هذه القصيدة ما هو من الأصل كقوله: ألا أنْعِمْ صَباحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِيوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُرِ الخالي ويجوز أن تجئ الياء المخففة من الهمزة وصلا. فيجئ المالى: من ملأ يملأ مع الأحوال، والظامي: من الظمأ مع الإكرام. قال أبو الفتح بن جني، - رحمه الله تعالى - في تفسير قول المتنبي: كُلَّمَا رُمْتَ لَوْنَهُ مَنَعَ النَّا ... ظِرَ مَوْجٌ كَأَنَّهُ مِنْكَ هَازِي أن أصل هازي: هازئ فأبدل الهمزة على حد التخفيف القياسي وجعلها وصلًا بمنزلة الياء التابعة بعد الزاي في الإحراز في اللفظ. وليس هذا بقياس لأنه لو خففها تخفيف القياس لكانت الهمزة مقدرة. ولو كانت مقدرة فكأنها ملفوظ بها. وإذا كانت كذلك لم يجز أن تكون وصلًا إطلاقًا. وسألت الشيخ أبا العلاء - رحمه الله تعالى - عما ذكره ابن جني فقال: هذا تسعف لا يحتاج إليه. ويلزم أبا الفتح في هذا أن يجعل الهمزة في ذئب، ورأس، وبؤس إذا خففت كأنها موجود في اللفظ؛ فلا يجعلها تدخل مع الأرداف. لأجل أنها مقدرة. والسماع من العرب وغيرهم مختلف لذلك؛ كقول الجميع الأسدي: أمَّا إذا حَرَدَتْ حَرْدِي فَمُجْرِيةُ ... ضَبْطَاءُ تَمْنَعُ غِيْلًا غَيْرَ مَقْرُوبِ وقال في الأبيات: وَإنْ يَكُنْ حَادِثٌ يُخْشَى فَذُو عَلَقٍ ... تَظَلُ تَزْجُرُهُ مِنْ خَشْيَةِ الذِّيْبِ فيلزم أبا الفتح أن يجعل الياء في الذيب لا يجوز أن تكون ردفا، وكذلك الواو في قول الأفوه: إِنَّ بَنِي أَوْدٍ هُمْ ما هُمُ ... لِلْحَرْبِ أَوْ لِلجَدْبِ، عَامَ الشُّمْوُسْ يَقونَ فِي الحُجْرَةِ جِيرَانَهُم ... بِالمَالِ وَالأنْفُسِ مِنْ كُلِّ بُوسْ فالواو في بوس مخففة من الهمزة، وقد صارت ردفا مع الواو التي في البيت الأول. وكذلك قول الآخر: يَقُواُ لِيَ الأَميرُ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... تَقَدَّمْ حِينَ جَدَّ بِنَا المِرَاسُ
فَمَالِي إن أَطَْتُكَ مِنْ حَيَاةٍ ... وَمَالِي غَيْرَ هَذَا الرَّاسِ رَاسُ فألف راس مخففة من الهمزة. وهي ردف مع ألف المراس. وإذا كانت الأحرف الضعيفة ثابتة في موضع، فلا بأس أن يجئ في مكانها ما هو أقوى منها. ومثل ذلك قول طرفة: لِخَوْلَةَ أَطْلاَلٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ فالياء في نهمد مجتلبة للترنم. وقال في القصيدة: سَتَعْلَمُ إنْ مِتْنَا غَدًا أَيَّنَا الصَّدِي فالياء في الصدي أصلية، وهي وصل لا يجوز غير ذلك. وكذلك الهاء التي للإضمار تكون وصلًا، ثم يجئ معها الهاء الأصلية. إلى ها هنا كلام أبي العلاء. وقد تشارك الياء التي للترنم الياء التي للنفس كقول امرئ القيس: ...... حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مَحْمَلِي وكقوله: وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المَوَثَّلَ أَمْثَالِي وأما الهاء المضمومة فكقوله: وَبَلَدٍ عَامِيَةٍ أَعَّمَاؤُهُ والهاء المفتوحة كقوله: وَفِتْيانِ صِدْقٍ لَسْتَ مُطْلِعَ بَعْضِهِمعَلَى سِرِّ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنِّي جُماعُهَا وأما المكسورة فكقول بعض نساء العرب: يا رَبِّ مَنْ عَادَى أُبِي فَعَادِهِ ... وَارْمِ بِسَهْمَينِ عَلَى فُؤَادِهِ وَاجْعَلْ حِمامَ نَفْسِهِ فِي زَادِهِ وأما الهاء الساكنة فقوله: لمَّا أَتَاهُ خَاطِبًا فِي أرْبَعَةَ ... أوْ أبَه وَسَبَّ مَنْ جَاءَ مَعَهُ أو أبَه: من الإبة؛ وهي الحياء. وكقوله: وَلا تَخْذُلِ المَوْلَى إذا ما مُلِمَّة ... ألَمَّتْ وَنازِلْ فِي الوَغَى مَنْ يُنازِلُهْ وقد تشترك الهاء الأصلية وهاء الضمير في الوصل بشرط لزوم ما قبلها؛ كقول امرأة تهجو ضرتها: ضُرَيْرَةٌ أُوْلِعْتُ بِاشْتِهَارِها ... يُطْرِقُ كَلْبُ الحَيِّ مِنْ حِذَارِهَا فاصِلَةُ الحَقْوَيْنِ مِنْ إِزَارِها ... أُعْطِيتُ فيها طائِعًا أو كارهًا حَدِيقَةً غَلْبَاء فِي جِدَارِها ... وَفَرَسًا أُنْثى وَعَبْدًا فَارِها ويروى ضورية أولعت منسوبة إلى ضورة من عنزة. هذا قول أبي العلاء. وقال النامي: ضورة موضع. ومما جاءت فيه الهاء الأصلية وصلًا قوله: أَبْلِغْ أبا عَمْرٍ وَأجْنِحَةُ الخُطُوبِ لَهَا تَشَابُهْ إنّي أَنَا اللَّيْثُ الذِي يُخْشَى مَخَالِبُهُ وَنَابُهْ الخروج والخروج حرف متولد من هاء الصلة المتحركة، فإن كانت حركتها ضمة كان الخروج واوا، وإن كانت فتحة كان الخروج ألفا؛ وإن كانت كسرة كان الخروج ياء. والخروج لازم لا يجوز تغييره؛ فيجب تسليمه في جميع القصيدة على ما ابتداه في البيت الأول؛ كما قال لبيد: عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنىً تَأبَّدَ غُولُها فَرِجَامُهَا فسلمها على الفتحة إلى آخرها. ولا تعلم أنه ورد غير ذلك فإن استعمل فهو أقبح من الإقواء الحركات اللازمة وهي ست: الرس، والإشباع، والمجرى، والحذو؛ والتوجيه، والنفاذ الرس فالرس حركة ما قبل ألف التأسيس، مثل حركة الصاد في قوله: لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالحَصَىوَلاَ زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ ما اللهُ صَانِعُ فحركة الصاد رس، والألف تأسيس، والنون دخيل، والعين روي، والواو وصل، وكأن الرس: القلة والخفاء، ومنه رسيس الهوى أي بقيته. فكأن حركة ما قبل الألف حس خفي. ومنه قول علقمة ابن عبدة: رَسٌّ كَرَسِّ أَخِي الحُميَّ إذا غَبَرَتْ ... يَوْمًا تَأَوَّبَهُ مِنْهَا عَقَابِلُ وكان أبو عمر الجرمي لا يعتد بهذه الحركة في اللوازم، لأن ما قبل الألف لا بد أن يكون مفتوحًا. والأمر على ما ذكر، إلا أنه يلزمه في الدخيل ألا يعتد بالحركة، لأنه لا يكون إلا متحركًا بإحدى ثلاث الحركات، فإن قيل: الحركات تختلف، قيل فنلزم أن نفرد لكل حركة من حركات الدخيل اسمًا إذا انفردت بالقصيدة. ويلزمه أيضًا ألا يعتد بالجهل فيما ردفة بالألف، لأنه لا يكون قبلها إلا فتحة. الإشباع
الإشباع حركة الدخيل أية حركة كانت، مثل كسرة الهاء في قول زهير: وَإذْ أَنْتَ لَمْ تُقْصِرْ عَنِ الجَهْلِ وَالخَنَىأَصَبْتَ حَلِيْمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِلُ وكضمة الياء في قول النابغة: سُجُودًا لَهُ غَسَّانُ يَرْجُونَ فَضْلَهُ ... وَتُرْكٌ وَرَهْطٌ الأعْجَمِينَ وَكابُلُ وكفتحة اللام في قول الشاعر: إذَا كُنْتَ ذَا ثَرْوَةٍ مِنْ غِنَى ... فَأنْتَ المُسَوَّدُ فِي العَالَمِ وهذه الحركات تتعاقب، إلا أن الكسرة مع الضمة أخف كراهة من الفتحة مع إحداهما وإذا اختلف حركات الإشباع سمي ذلك سنادًا. ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وقيل: هذه الحركات إشباع من قولك: أشبعت الثوب. إذا أحكمته وقويته، ولا يمتنع أن يكون مأخوذًا من أن هذه الحركة لا يمكن فيها من الحذف ما يمكن في حركة الروي، وهاء الوصل اللتين بعدها، لأنهما قد تحذفان تارة وتثبتان أخرى، ولا يمكن في حركة الدخيل الحذف، بل يأتي أبدًا مشبعًا بالحركة. المجرى والمجرى حركة الروي مثل حركة الميم في قول زهير: رَأيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْتُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ فالميم روي، وحركتها بالكسر مجرى، والياء وصل. وكذلك حاله في الرفع والنصب. وقيل لها مجرى لأن الروي يجري فيها. الحذو والحذو حركة ما قبل الردف واوا كان أو ألفًا أو ياءً. فإن كان الردف واوًا، فالحذو ضمة وإن كان الردف ألفًا، فالحذو فتحة. وإن كان ياء فالحذو كسرة وقد يجئ قبل الواو والياء فتحة. فالذي حذوه فتحة وردفه ألف مثل قوله: أَلا أَنْعِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ الباليوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ في العُصُرِ الخَالِي فتحة الخاء حذو، والألف ردف، واللام روي، وحركتها مجرى، والياء وصل وما كان حذوة ضمة فقول زهير: مَتى تَكُ في صَدِيْقٍ أَوْ عَدُوٍّ ... تُخَبِّرْكَ الوُجُوهُ عَنِ القُلُوبِ وما كان حذوه كسرة فقوله: فَإْنْ تَسْأَلُوني بِالنّسَاءِ فإنَّني ... خَبيْرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبيْبُ وأما ما كان ردفه واوا مفتوحًا ما قبلها فكقوله: يا أيُّها الرَّاكبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وما كان ردفه ياء مفتوحًا ما قبلها فكقوله: ذَكَرْتُ أَهْلَ دُجَيْلٍ ... وَأَيْنَ مِنِّي دُجَيْلُ وكقول الراجز: مَالِي إِذ أَجْذِبْها صَأَبْتُ ... أَكِبَرُ قَدْ غَالَنِي أَمْ بَيْتُ وسمي الحذو حذوًا من قولك: حذوت فلانًا، إذا جلست بحذائه: فكأنه محاذٍ للردف. التوجيه والتوجيه له موضعان: المقيد والمطلق وهو حركة ما قبل الروي. فهو في المقيد مثل حركة الفاء في قوله: لاَ وَأَبيْكِ ابنَةَ العَامِرِيِّ ... لاَيَدَّعِي القَوْمُ أَنِّي أفِرْ فكسرة الفاء توجيه، وكفتحة الطاء في قول سويد بن أبي كاهل: رُبّ مَنْ أنْضَجْتُ غَيظًا كَبِدَهُ ... قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتًا لَمْ يُطَعْ وقد تجتمع ثلاث الحركات في التوجيه سواء كان الشعر مطلقًا أو مقيدًا وتسلميه أحسن، لا سيما في المقيد. قال امرؤ القيس: لا وَأبِيكِ ابنَةَ العَامِرِيِّ ... لا يَدَّعِي القَوْمُ أنِّي أَفِرْ تَمِيْمُ بْنُ مُرٍّ وَأشْيَاعُهَا ... وَكِنْدّةُ حَوْلي جَمِيْعًا صُبُرْ إذا رَكِبُوا الخَيْلَ وَاسْتَلئَمُوا ... تَحَرَّقَتِ الأرضُ واليَومُ قُرْ والتوجيه في المطلق كحركة اللام في قول الشاعر، وهو زهير: بَانَ الخَليطُ وَلَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا ... وَزَوَّدُوكَ اشتِياقًا أيَّةً سَلَكُوا ففتحة اللام في سلكوا توجيه. وقد تجيء معها الضمة والكسرة. قال زهير في هذه القصيدة: مُقْوَرَّةٌ تَتَبَارى لا شِوَارَ لَها ... إلاَّ القطُوعُ عَلَى الأكْوَارِ والوُرُكُ وقال فيها أيضًا: يَا حَارِ لاَ أرْمَينَ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلي وَلا مَلِكُ ولا يتأتى التوجيه في المترادف.
ولم يذكر أصحاب القوافي المتقدمون من أي شيء أخذ التوجيه. وذكر بعض المتأخرين أنه مأخوذ من توجيه الفرس. وهو دون الصدف الذي هو تباعد ما بين الفخذين في تدان من العرقوبين في ميل من الرسغين، فيكون أصل ذلك الاختلاف. النفاذ والنفاذ حركة هاء الوصل بالضم والفتح أو الكسر، لأن الهاء كانت في الأصل ساكنة فنفذت فيها الحركة. فالنفاذ بالضم كقوله: وَبَلَدٍ عَامِيَةٍ أعْماؤُهُ وقوله: فَتىً جَمِيلٌ حَسَنٌ شَبابُهُ والنفاذ بالفتح كقول بشر بن أبي خازم: وَغَيَّرَهَا مَا غَيَّر النَّاسَ قَبْلَهَا ... فَبَاتَتْ وَحَاجَاتُ الفُؤَادِ تُصِيْبُهَا والنفاذ بالكسر كقوله: إِنَّ الشِّرَاكَ قُدَّ من أَدِيمِهِ الميم ورى وحركة الدال حذو والياء ردف وحركة الميم مجرى والهاء وصل وحركتها نفاذ. الباب الرابع عدد القوافي القوافي على ضربين: مقيد ومطلق. فالمقيد ينقسم ثلاثة أضرب وسبب التقيد تمام الوزن. ضرب مؤسس كقول الشاعر: نَهْنِه دُعُوْعَكَ، إِنَّ مَنْ ... يَبْكِي عَلَى الحَدْثَانِ عَاجِزْ فتحة العين رس، والألف تأسيس، والجيم دخيل، وكسرتها توجيه، والزاي روى. وضرب مردف كقول طرفة: مَنْ عَائِدِي الليلة أَمْ مَنْ نَصِيحْ ... بِتُّ بِهَمٍ، فَفُؤَادِي قَرِيحْ حركة الزي حذو، والياء ردف، والحاء روي. وضرب مجرد - ومعنى التجريد أنه خال من التأسيس والردف - وهو كقول لبيد: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ ... وَبِإِذْنِ اللهِ رَبْتٌ وَعَجَل فتحة الجيم توجيه واللام روي. وأما المطلق فإنه على ستة أضرب: ضرب مؤسس موصول كقوله: كِلِيني لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِب ... وَلَيْلٍ أُقَاسِيْهِ بَطِئِ الكَوَاكِبِ فتحة الواو رس، والألف تأسيس، والكاف دخيل، وحركتها إشباع، والياء روي وحركتها مجرى، والياء وصل. وضرب مؤسس له خروج. ولذلك يكون وصلة هاء هو كقوله: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ ... في بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا فتحة الواو رس، والألف تأسيس، والفاء دخيل وحركتها إشباع والقاف روي، وحركتها مجرى والهاء وصل وحركتها نفاذ، والألف خروج. وهذه اللوازم أكثر ما تجتمع في القافية من الحروف والحركات. وهي ثمانية على قول من يعتد بالرس، وسبعة على قول من يلغيه. وضرب مردف موصول، كقول تأبط شرًا: يَا عَبْدُ مَالَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإِبرَاقِ ... وَمَرَّ طَيْفٍ عَلَى الأَهْوَالِ طَرَّاقِ فتحة الراء حذو والألف ردف، والقاف روي، وحركتها مجرى، وميله وصل. وضرب مردف موصول وله خروج كقوله: مِنَ الخَفَرَاتِ البِيْضِ وَدَّ جَلِيسُهَاإذا مَا انْقَضَتْ أَحْدُوثَةٌ لَوْ يُعِيدُها حركة العين حذو، والياء ردف، والدال روي، وحركتها مجرى، والهاء وصل وحركتها نفاذ، والألف مخروج. وضرب مجرد لا تأسيس له ولا ردف كقوله: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِبِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ اللام الروي وحركتها المجرى، والياء والوصل. وضرب مجرد له خروج: لا يكون الخروج إلا بعد وصل كقوله: كُلُّ امرِئِ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ اللام روي، وحركتها مجرى، والهاء وصل، وحركتها نفاذ، والياء خروج. قيل: وأول من قسم القوافي هذا القسم الفراء ثم نقله المبرد إلى مختصره. الباب الخامس اللين في القوافي ما يلزمه اللين في القوافي فمن ذلك ما كانت قافيته من المترادف. وهو يأتي في تسعة مواضع على قول الخليل: منها ثاني المديد كقوله: لاَ يَغُرَّنَّ امْرَأَ عَيْشُهُ ... كُلُّ عَيْشٍ صَائِرٌ للزَّوَالْ وثالث البسيط كقوله: إِنَّا ذَمَمْنَا عَلَى مَا خَيَّلْتْ ... سَعْدَ بن زَيْدٍ وَعَمْرًا مِنْ تَمِيمْ وسابع الكامل كقوله: جَدَثٌ يَكُونُ مَقَامُهُ ... أَبَدًا بِمُخْتَلَفِ الرِّيَاحْ وثاني الرمل كقول زيد الخيل:
يَا بَنِي الصَيْدَاءِ رُدُّوا فَرَسِي ... إِنَّمَا يُفْعَلُ هذا بالذَّليلْ عَوِّدُوا مَهْرِي كَمَا عَوَّدْتُهُ ... دَلَجَ اللَّيْلِ وإِبطاءَ القَتيلْ ورابع الرمل كقول الشاعر: لاَنَ حَتَّى لَو مَشَى الدُّرُّ ... عليه كادَ يُدْمِيهْ وأول السريع كقوله: أَزْمَانَ سَلْمَى لا يَرَى مِثْلَهَا الرَّا ... ؤُونَ في شَأمِ وَلاَ في عِرَاقْ والخامس من السريع كقوله: لَمْ تَعُدْ فِي بُؤْسٍ وَلاَ فِي إِقْلاَلْ والثاني من المنسرح كقوله: صَبْرًا بَنِي عَبْدِ الدَّارْ والثاني من المتقارب كقوله: وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ بائِسَاتِ ... وَشُعْتٍ مَرَاضِيْعَ مِثْلَ السَّعَال أنشده الخليل هكذا، وأنشده سيبويه وشعثا بالنصب وبالإطلاق أيضًا. لم يجعله مقيدًا. فصل: وقد زاد سعيد بن مسعدة في الطويل وزنًا رابعًا يجب أن يكون بعد الثاني في قول الخليل لأنه قد سقط منه حرف وحركة. والثاني إنما سقط منه حرف ساكن، وهو الياء من مفاعيلن. وإنما سوغ هذا للأخفش أنه وجد شعوا ينسب إلى امرئ القيس فيه إقواء، فأبى أن يجعل امرئ القيس يقوى، وحمله على ما ذكرت من زيادة ضروب الطويل والشعر: أَحَنْظَلٌ لَو أَحْسَنْتُمُ وَوَفَيْتُمُ ... لأَثْنَيْتُ خَيرًا صَادِقًا وَلأَرْضَانْ ثِيَابُ بَني عَوْفٍ طَهَارى بَقِيَّةٌ ... وَأَوْجَهَهَمْ بِيْضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ قيل أنه وجد وجد في هذه الأبيات إقواء بالرفع وكذلك رآه في قوله الشاعر: كأن عَنيفًا مِنْ مَهَارَةِ ثَعْلَبٍ ... بِأَيْدِي الرِّجَالِ الدَّافِيينَ ابن عَتَّابْ وَفَرَّ ابنُ حَرْبٍ هَارِبًا وابْن عَامِرٍ ... وَمَنْ كَانَ يَرْجو أَن تَؤُوب بِلا آبْ ومثل ذلك قول عمرو بن شأى الأسدي: وكَأسٍ كَمُسْتَدْمَى الغَزَالِ مَزَجْتُهَا ... لأَبْيَضَ عَصَّاءِ العَوَاذِلِ مِفْضَالْ كَآدَمَ لَمْ يُؤْثِرْ بِعِرْنينِهِ الشّبا ... وَلا الحَبْلُ يُحْسَاهُ القُرُومُ إذا صالْ وإذا تجنبت الأقواء بالنصب هذا التجنب دخل في كثرة من الأوزان زيادة. فصل: ومما يلزمه اللين، كل ضرب نقص عن الضرب الذي قبله بحرف متحرك. فكأنهم جعلوا ما في اللين من المد عوضًا من ذلك الحرف. وإذا كان حرف اللين واوًا أو ياء فاجتناب الفتح قبلها أحسن؛ فيضم ما قبل الواو، ويكسر ما قبل الياء. على أن الفتح قد ورد واستعمل، وقد أباه قوم وقالوا: لا يكون إلا بضم ما قبله. فيلزم اللين على ما تقدم ذكره ثالث الطويل؛ كقوله: طحا بك قَلْبٌ في الحسَان طَرُبُ ... بُعَيْدَ الشّبَابِ عَصْرَ حان مَشِيْبُ ضربه فعولن والذي قبله مفاعلن، فوزن فعولن مفاعل ساكنة اللام. فقد سقطت حركة اللام وسقطت النون. فهذا بمنزلة سقوط حرف متحرك. ومن ذلك ثاني البسيط، كقول عبدة بن الطبيب: هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الهَجْرِ مَوْصُولُأَمْ أَنْتَ عَنْهَا بَعيدَ الدَّارِ مَشْغُولُ فذا الضرب فعلن والذي قبله فاعلن في أصل الدائرة. فزنة فعلن فاعل بسكون اللام، وسقط منه قدر حرف متحرك. ويلزم اللين ثاني الكامل وتاسعه - وفي التاسع خلاف - وثاني الرجز، وقالت السريع - وفيه خلاف -. ومما ورد بغير لين قوله: أَنْزَلَني الدَّهْرُ عَلَى حُكْمِهِ ... مِنْ شَامِخٍ عَالٍ إلى خَفْضِ وبَزَّنِي الدَّهْرُ ثِيابَ الغِنَى ... فَلَيْسَ لِي مَالٌ سِوى عِرْضِي وخامس الخفيف، وسادس المتقارب وهو: تَجَلَّدْ وَلا تَبْتَئِسْ ... فَمَا نَقْص بِآتِيكَا المد واللين في الوصل النشيد والترنم الغرض في اختيارهم حروف المد واللين الموصل ما يتأتى فيها من مد الصوت، وإنه يمكن فيها من ذلك ما لا يمكن في غيرها. وشاركت الهاء حروف المد واللين في الوصل لخفائها، ولأنها تبين بها الحركة كما تبين بالألف، فتقول علية كما تقول أنا ثم يذهبان في الوصل. قال سعيد بن مسعدة: قد دعا قوما خفاؤها إلى أن قالوا مُرْيُهْ فضموا الباء لتبين الهاء. وإذا وقفوا عليها قالوا: هذا طلحت بالتاء.
وإذا نطق بالشعر على سبيل الحداء والغناء والترنم، فقد اجمع على إلحاق الألف والواو والياء؛ لأن الترنم يمد فيه الصوت أكثر من مده في النشيد. والمقصود به وبالغناء والحداء والمد. فيقولون: قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبيْبٍ وَمَنْزِلِيبِسِقْطِ اللِّوَى بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِي وقال النمر بن تولب: يَسُرُّ الفَتَى طُوْلُ السَّلامَةِ والغِنَى ... فَكَيْفَ تَرى طُوْلَ السَّلامَةِ تَفعَلُ فصل: فإذا أرادوا النشيد فقد اختلف في الوقف. والأحسن أن تعطى كل حركة حقها. فمنهم من يقف على الروي بالسكون فينشد: أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلُ وَالعِتَابْ ... وَقُولِي إنْ أَصَبْتُ لّقّدْ أصَابْ وكذلك يفعل في المضموم والمكسور. فإذا أتى في القصيدة المنصوبة ما هو منون من مصدر أو غيره وقفوا بالألف كقوله: وَوَجْدٍ طَوَيتُ يَكادُ مِنْهُ ... ضَمِيرُ القَلْبِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا ويختارون الوقوف بالألف في الوزن القصير كقوله: أَعْطَى عَطَاءً حَسَنا وَرِزْقَا ومنهم من لا ينون شيئًا، وهم أهل الحجاز، فينشدون القصيدة من أولها إلى آخرها ولا ينونون شيئًا على ما مضى في الترنم. ومنهم من يعطي كل قافية قسطها فينون المنون ويجري ما ليس منونًا على صلاته فينشد: قِفَا نَبْت مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِبِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِنْ وينشد ............. مَنْ جَنُوبِ وَشَمْأَلِنْ وينشد ............. بِرَبَّا القَرَنْفُلِن ومنهم من يحذف واو الجميع فينشد: لا يُبْعِدُ اللهُ جِيرَانًا لَمَال ظَعَنُوالَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَداةِ البَيْنِ مَا صَنَعُ وينشد أيضًا بقوله: جَزَيْتُ ابنَ أَوْفَى بِالمدينةِ قَرْضةُ ... وَقُلْتُ لِشُّفَاعِ المَدِينَةِ أَوجِفُ يريد أوجفوا: وهذا أقبح من حذف الصلات لأن هذه الواو هنا مفيدة معنى. وقد أجرى من حذف الصلات الياء التي من الأصل، مجرى الياء التي للوصل، فأنشد: وَلأنْتَ تَفْرِي ممَا خَلَقْتَ وَبَعضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِ بحذف الياء من يفرى وكذلك واو يدعو إذا كانت العين للروي. فإن كانت روي الشعر فلا يجوز حذفها. ومنهم من يحذف بالإضمار. قال سعيد بن مسعدة: أخبرني من أثق به، أنه سمع من العرب: وَهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ ... وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكاظَ إنِّ يريد إني. ومن العرب من ينون ما يجوز فيه التنوين وما لا يجوز فينشد: أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضُ هَذَا التَّدَلُّلِنْوَإنْ كَنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرمِي فَاجْمِلنْ ويحكى أن رؤبة أنشد قصيدته التي أولها: وَقَائِمِ الأعْمَاقِ خَاوِي المُخْنَرَقْ فنونّ جميع قوافيها. قال قطرب: حدثني من سمعه ينشدها بالتنوين، قال بعضهم: إنما فعل ذلك لأنه اعتاد التنوين في غيرها. وقال بعضهم: إنما إن بمعنى نعم. فكأنه أتبع كل بيت نعم على حد التخفيف للهمزة. وهذا أقبح ما يستعمل في الإنشاد لخروجه عن الوزن، ولأنه لا يستعمل في الكلام المنثور. وكلما كانت الصلة من الأصل مثل واو يدعو وألف يخشى وياء يرمي كان حذفها أبعد. وقد أنشد بعضهم قول يزيد بن الحكم الثقفي: جَمَعْت وَفحشًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... ثَلاَثَ خِلالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِ وأنشد قطرب: تُكَاشِرُنِي كَرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ ... وَغَيبُكَ يُبْدِي أنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِ يريد دوى. وأنشد أيضًا: عَدُوُّكَ يَخْشَى صَولَتي أَنْ تَرُومُني ... وَأنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِ يريد بمستوٍ. وهذا قبيح من أجل أنه حذف حرفًا أصليًا. قال بعض أهل العلم: الأحسن إثبات الياء من قبل أن الواو إذا كانت قبلها فتحة، انقلبت ألفًا. كما يفعل بها في الترخيم. الباب السادس عيوب القافية الإقواء
الإقواء اختلاف الإعراب، مأخوذ من قوى الحبل المختلفة الفتل، مثل أن يأتي الشاعر بالضم مع الكسر أو بالكسر مع الضم. ولا يكادون يأتون إقواء بالنصب، فإذا وجد هذا فالأجود تسكينه. وأنشد المبرد: تُكَلِّفُنِي سَويقَ الكَرْمِ جَرْمٌ ... وَمَا جَرْمٌ وما ذاكَ السَّوِيقُ وَمَا شَرِبُوهُ وَهْوَ لَهُمْ حَلاَلٌ ... وَلا قَالُوا بِهِ في يَومِ سُوقِ فَأَوْلَى ثَمَّ أوْلى ثَمَّ أوْلَى ... ثَلاثًا يَا ابْنَ عَمْروٍ أنْ تَذُوقا فجمع ثلاث الحركات - وهذا شاذ. وقد مضى الكسر مع الضم كقول الحارث بن حلزة: آذَنَتْنَا بِبَينِهَا أسْماءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ ثم قال: مَلَكَ الحارِثُ بُن ماءِ السَّمَاءِ وقال النابغة: أَمِنْ آل مَيَّةَ رَائِحٌ أَمْ مُفْتَدِي ... عَجْلانَ ذَا زَادٍ وَغَيْرَ مُزَوَّدِ ويروى أنه قال فيها: زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا ... وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأسْوَدُ وأنه قال أيضًا فيها: غَنَمٌ يَكادُ مِنَ اللَّطَافَةِ يُعْقَدُ فقيل له في ذلك فلم يعرفه حتى أحضرت له قينة فغنت به ومدت صوتها فغيره. وقال آخر: أَكَلْتَ شُوَيْهَةَ وَفَجَعْتَ قَوْمًا ... بِشاتِهِمُ وَأَنْتَ لَهُمْ رَبيبُ غُذِيتَ بِدَرِّها وَرَويت مِنْهَا ... فَمَنْ أَنْبَاكَ أنَّ أبَاكَ ذِيبُ إذا كانَ الطِّباعَ طِبَاعَ سَوْءٍ ... فَلَيْسَ بِنَافِعٍ أَدَبُ الأدِيبِ وهذا غلط من العرب لا يجعل مثالًا ولا يقاس عليه. ويجوز أن يكون الوقوف على أواخر الأبيات يسوغ ذلك لهم. وأنهم يرون كل بيت قائمًا بنفسه، كما رواه العجير السلولي في قوله: فَقَالَ لِخِلَّيْهِ ارْحَلا الرَّحْلَ إنَّني ... بِعَاقِبَةٍ وَالعَاقِبَاتُ تَدُورُ فَبَيْنَاهُ يَشْرَى رَحْلُهُ قال قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاطِ يَجيبُ قيل إن قائلة أنشده كذلك فنهي عنه فلم ينته. وذهب قوم إلى أن الإقواء هو الإقعاد الذي تقدم ذكره. وذهب آخرون إلى أنه الإكفاء الإكفاء وأصل الإكفاء القلب أو المخالفة، قال ذو الرمة: وَدَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَرَى وَجْه رَكْبِهَا ... إذا ما عَلَوْهَا، مكْفأَ غَيْرَ سَاجِع الساجع: المتتابع، والإكفاء في الشعر اختلاف الروي، ومن العرب من جعله الفساد في آخر البيت من غير أن يحده بشيء. وأنشد ابن مسعدة: وَلَمَّا أصابَنِي مِنَ الدَّهْرِ بَنْوةٌشُغِلْتُ، وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُئُونُهَا إذا الفَارِغُ المَكفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُأَبَرَّ، وَكَانَتْ دَعْوَةً يَسْتَدِيْمُهَا فأتى بالميم مع النون لتقارب مخرجيهما. ومن ذلك قول العجير السلولي: أَلا قَدْ أَرى إن لم تَسْكُنْ أُمُّ مَالِكٍ ... بِمِلْكِ بَدى إنَّ البَقَاءَ قَلِيلُ رَأى مِنْ رَفِيقَيهِ جَفَاءً وَبَيْعَة ... إذا قَامَ يَبْتَاعُ القِلاَصَ ذَمِيمُ فَقَالَ لِخِلَّيهِ ارْحَلا الرَّحْلَ إنني ... بِمُهْلِكَةٍ وَالعَاقِبَاتُ تَدُورُ فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قالَ قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاط نَجيبُ وقال رؤبة بن العجاج: قُبِّحْتِ مِنْ سَالِفَةٍ وَمِن صُدُغْ ... كَأَنَّهَا كُشْيَةُ ضَبٍّ فِي صُقُعْ جمع بين العين والغين، وقال آخر: بَنَاتُ وَطَّاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيْلِ ... لإِمِّ مَنْ لَمْ يَتَخِذْهُنَّ الوَبْل لا يَشْتَكِينَ عَمَلًا ما أنْقَينْ ... ما دامَ مُخٌّ فِي سُلامى أَوَ عَين وقال آخر: هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ بِذِي أقْبَاضِ ... لَمْ يَبْقَ فِيهاَ دِيَمُ الرَّدادِ إلا الأثَافِيُّ عَلَى وِجَادِ وقال آخر: إنْ يَأتِنِي لِصٌّ فإنِّي لِصُّ ... أَطْلَسُ مِثْلُ الذِّيبِ إذ يَعْنَسُّ سَوقى حُداءٌ وَسَفيري بَسُّ وقالت امرأة من العرب: فَلَيتَ سِمَاكِيًّا تحَارُ ربابُهُ ... يُقَادُ إلى أَهْلِ الغَضَى بِزِمَامِ وقال آخر: إذا نَزَلَتُ فاجْعَلاَنِي وَسَطَا ... إنِّي شَيخٌ لاَ أطِيقُ العُنَّدَا
العنّد: جمع عنود، وهي الناقة الصعبة. وقال آخر: جَارِيةٌ من ضَرَّةَ بن أُدِّ ... كَأَنَّ تَحْتَ دِرْعِهَا المُنْعَطِّ شَطًّا أُمِرَّ فَوْفَهُ بِشَطِّ ... لَمْ يَنْزُ فِي البَطْنِ وَلَمْ يَنْحَطِّ وهذا كله إكفاء. وذهب قطرب إلى أن الإكفاء تغير الحركات، وإلى أن الإقواء تغير حرف الروي. البدل وهو تغير حرف الروي على غير ما تقدم ذكره في الإكفاء. ومن ذلك قوله: يَا قَبَّحَ اللهُ بَنِي السَّعْلاتِ ... عَمْرًا وَفَانُوسًا شِرَارَ النَّاتِ لَيْسُوا بِأَخْيَارٍ وَلاَ أَكْيَاتِ يريد الناس وأكياس، فأبدل حرف الروي لضرورته إلى ذلك. وهذا أقبح من الإكتفاء وأقل. قيل سبب هذا الشعر أن عمرو بن يربوع بن حنظلة من بني تميم تزوج السعلاة. فقال له أهلها: إنك لا تزال معها بخير ما لم تر برقًا. قال: فجعل عمرو إذا لمع البرق ستر وجهها عنه. ثم إنها رأته ذات ليلة، فقعدت على بكر وقالت: أمْسِكْ بَنيِكَ عَمْرُو إنِّي آلِقُ ... بَرْقٌ عَلَى أرْضِ السَّعَالِي آلِقُ ويروى لعمرو في ذلك: رَأى بَرْقًا فَأوْضَعَ فَوْقَ بَكْرٍ ... فَلا بِكَ مَا أَغَامَ ولا أسَالا قوله: فلا بك مثل قوله: لا والله، ولا البيت. فقال بعضهم الأبيات المتقدمة يهجو أولاد عرو. ومن البدل قول الشاعر: إذَا ما المرء صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ... وَأعْيَا سَمْعَهُ إلاَّ نِدَابَا وَلاَعَبَ بِالعَشِيِّ بَنِي بَنِيه ... كَفِعْلِ الهِرِّ يَلْتَمِسُ العَطَايَا فَلا تَظْفَرْ يَداهُ وَلاَ يَؤُوبَنْ ... وَلاَ يُعطَى مِنَ المَرَضِ الشَّفَايَا فَذَاكَ الهَمُّ ليس له دواءٌ ... سِوَى المَوْتِ المُنَطَّقِ بِالمَنَايا فقلب الهمزات الثلاث ياءات لإتيانه بالمنايا، وهذا مما يجب ألا يلتفت إليه، ولا يقاس عليه. الإيطاء وهو إعادة القافية في الشعر، مأخوذ من قولك: وطئت الشيء، وأوطأته سواي. وهذا عائد إلى الموافقة قيل: ومنه قوله تعالى: " ......... ليواطئوا عدة ما حرم الله ". أي ليوافقوا. وأقبح الإيطاء ما تقارب مثل أن يكون البيتان متجاورين أو بينهما بيت أو اثنان أو ثلاثة على قدر ذلك. ومن أقبحه ما ينشد لابن مقبل: نَازَعَتْ أَلْبَابُهَا لُبِّي بِمُخْتَصَرٍ ... مِنَ الأَحَادِيثِ حَتَّى زِدْتُهُ لِينَا ثم قال: مِثلَ اهتِزَازِ رُدَينِيٍّ تَعَاوَرَهُ ... أيدِي التِّجَارِ فَزَادُوا مَتْنَهُ لِينَا فإن اتفق اللفظ واختلف المعنى لم يكن ذلك إيطاء كما أنشد المبرد: أأسْلَمْتَنِي يَا جَعْفَرُ بْنَ أبِي الفَضْلوَمَنْ لِي إذا أسْلَمْتَنِي يَا أبا الفَضْلِ فَقُلِ لأبي العَبَّاسِ إن كُنْتُ مُذْنِبًافَأنْتَ أحَقُّ النَّاسِ بالأخْذِ بِالفَضْلِ وَلاَ تَجْحَدُونِي وُدَّ عِشْرِينَ حِجَّةًوَمَا تُفْسِدُوا مَا كانَ مِنْكُم مِنَ الفَضْلِ والأول كنية والثاني من العفو والثالث من الإعطاء والتفضل. فإن جاء في بيت رجل وفي بيت آخر الرجل بالألف واللام، لم يكن ذلك عندهم إيطاء. وكذلك إذا قلت: يضرب، وأنت تضرب، وأنا أضرب، لم يكن ذلك إيطاء، لاختلاف المعاني. وقال بعضهم: هو الإيطاء. وكذلك إذا قلت: ذهب من الذهاب، ثم قلت: ذهب تريد المصوغ، لم يكن إيطاء، فإن قلت زوج تريد المرأة، ثم قلت: زوج تريد الرجل، فذلك إيطاء، لأنه يقال لهما: زوجان. قال تعالى: " ......... من كل زوجين اثنين ". فإن أردت بالزوج النمط، لم يكن ذلك إيطاء. وكذا إذا قلت العين تريد عين النظر، ثم قلت العين تريد عين السحاب والعين تريد عين الماء، والعين مصدر عانه يعينه إذا أصابه بعينه، والعين الذهب، وما بالدار من عين أي أحد، وعين الركبة: النقرة عن تمين الرضفة وشمالها، لم يكن في شيء من ذلك إيطاء. فإن قال: شيء يريد غير الأول كان ذلك إيطاء، لأن قوله: شيء لا يختص بهذا دون هذا. فإن قلت: كذا ثم قلت: بذا ولذا فقد قيل: إنه ليس بإيطاء. وكذلك إن قلت: رمى بك ومضى بك قال قوم: مضى بك اسم مضمر والمضمر مع ما قبله بمنزلة شيء واحد فليس بإيطاء.
وذا اسم ظاهر، فإذا قلت: بذا ولذا كان إيطاء، وقال قوم: إن جعلت الروي الألف من ذا فهو إيطاء، لأن اللام والباء مع ذا قد صارتا كالشيء الواحد. فإن قلت: عرس تريد المرأة، وعرس تريد الرجل، فهو إيطاء كالزوج والزوج تقول العرب: هذا عرس، وهذه عرس: قال العجاج: أَكْرَمُ عِرْسٍ جُبِلا وَعِرْسِ يريد: أكرم رجل وامرأة جبلا. فإن قلت: غلامى وغلام منكرًا، لم يكن إيطاء. قيل: وقدم رجل لأعرابي لونًا من الطعام مرتين فقال: أوطأت في طعامك. فصل: قال خلف الأحمر: لو قلت برجل ولرجل لم يكن إيطاء لاختلاف المعاني، ويقول: إن قول الراجز: إِنَّكَ لَوْ أكَلْتَ خُبْزًا صَالِحًا ... ثُمَّ أدِمْتُ الخُبْزَ أدْمًا صَالِحًا لُقْتُ بِالقَوْمِ سِيَاقًا صَالِحا ليس بإيطاء لاختلاف ما قبله. وقاسه على الياء والكاف في المضمر، إذا قلت: عندي، ومنّى، ولك، بك بينهما فرق لأن المضمر مع ما قبله كالشيء الواحد وليس كذلك الظاهر ومما أوطئ فيه باتفاق اللفظ والمعنى قول الراجز: يَارَبِّ إنِّي رَجُلٌ، كمَا تَرَى ... عَلَى قَلُوصٍ صَعْبَةٍ، كَمَا تَرَى أخَافَ أنْ تَصْرَعَنِي كَمَا تَرَى قال بعض أصحاب القوافي: فخذ بتحريك الخاء مع فخذ بإسكانها إيطاء. وفي هذا نظر من جهة العروض، لأن فعلن لا يجتمعان إلا في رابع السريع المقيد، وفخِذ وفخِذْ وعُنُق وعَنْق إنما يماثلهما فعلن وفعلن بالتنوين الذي فيهما. وإذا نونا لم يلزم هناك تقييد. والشعر المطلق لا يجوز أن يكون قبل رويه تارة ساكن وتارة متحرك، إلا أن يكون من قال هذا أراد شعرًا على ووي الكاف كاف الخطاب، فَخِذك بكسر الخاء، ثم يقول فَخْذك بسكونها. وقد روى في بعض ضروب الكامل شعر مبني على فعلن وفعلٌ. وهذا شاذ. السناد وأصله الاختلاف. يقال: خرج القسوم متساندين. أي: لم يتبعوا رئيسًا واحدًا. ويقال: إن قريشًا خرجوا يوم الفجار متساندين. وقد ذكرت العرب السناد. وقال ذو الرمة: وَشِعْرٍ قَدْ سَهِرْتُ لَه كَرِيم ... أُجَبِّبُهُ المُسَانَدَ والْمَحَالا وقال جرير بن عطية: فلا إِقواء إذْ مَرِسَ القَوافِي ... بِأَفْوَاهِ الرِّوِاةِ وَلا سنَادا وقال عدي بن زيد بن الرقاع العاملي: وقَصِيدَةِ قَدْ بِتُّ أُجْمَعُ شَمْلَهَا ... حَتَّى أُفَوِّمَ مَيلَهَا وَسِنادهَا وقال أبو حزام العكلي: قَوَافٍ عَلَى الهَاءِ سَحْجِيَّة ... بِغَيرِ السِّنَادِ ولا المَكْفُوءَةَ والسناد على ضروب، جميعها قبل الروي، فمن ذلك ما ليس بمكروه، وهو تعاقب الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها في ردف القصيدة الواحدة، وذلك مجمع على استعماله، ولا يحاط بكثرته. ومنه ما هو مكروه، وذلك ينقسم أقسامًا. فمنه ما هو في التأسيس، كقول العجاج: يا دارَ سَلْمى يا لسلمى ثُمَّ اسْلَمى ... بِسَمْسَمٍ أَو عَنْ يَمينٍ سَمْسَمِ ثم قال: فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذا العَالَمِ وكان رؤبة يعيب ذلك على أبيه، وقيل كأن الهمزة من لغة العجاج. فإن صح ذلك، فإن الهمزة في العالم يخرجه من السناد. وكذلك الكلام في قوله فيها: مُكَرَّمٌ للأنبياء خَاتِمُ إما أن يهمز فلا يكون سنادًا، أو بترك الهمزة فيكونه، والهمزة بتأتي في خاتم إذا فتحت التاء، فإن كسرت فلا يهمز؛ لأنه يصير فاعلًا من الختم. ومن السناد اختلاف حركات الدخيل كقول ورقاء بن زهير: دَعَاني زُهَيْرٌ تُحْتَ كَلْكَلِ خَالِدٍ ... فَأقْبَلْتُ أسعَى كالعَجُولِ أُبَادِرُ فَشُلَّتْ يَمِيني يَوْمَ أَضْرِبُ خَالِدًا ... وَيَمْنعُهُ مَنِّي الحَدِيدُ المُظَاهَرُ ففتح الهاء مع كسر الدال. ولو كانت مع الكسرة ضمة لكان أقل من العيب. ومن السناد أن يجئ حذو مفتوح وحذو غير مفتوح. نحو قوله: عَبْدُ شَمْسِ أَبِي كُنْتِ غَضْبَى ... فَامْلَئِي وَجْهَكِ المَليحَ خُمُوشَا نَحنُ كُنَّا سُكَّانَهَا مِنْ قُرَيش ... وَبِنَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا وقال عبيد بن الأبرص:
فَإنْ يَكُ فَاتَني وَمَضى شَبَابِي ... وَأصْبَحَ عَارِضِي مِثْلَ اللُّجَينِ فَقَدْ أَلِجُ الخِبَاءَ عَلَى عَذَارى ... كأنَّ عُيُونَهُنَّ عُيُونُ عِينِ ومن السناد أن يجئ ردف مضموله ما قبله مع غير ردف، كقوله: إذا كُنْتَ فِي حَاجَةٍ مُرْسِلًا ... فَأرْسِلْ لَبِيبًا وَلاَ تُوصِه وَإنْ بَابُ أَمْرٍ عَلَيْكَ الْتَوَى ... فَشَاوِرْ حَكِيمًا وَلاَ تَعْصِهِ قالوا وفي توصه ردف محض وفي الناس من يهمز الواو وإذا انضم ما قبلها فعلى ذلك لا يكون سنادًا. ومن السناد ورد ياء مشددة مفتوح ما قبلها مع ياء مشددة مكسور ما قبلها. كقول عمرو بن الأطنابة: أبْلِغِ الحَارِثَ بْنَ ظَالِمٍ الرّعديد وَالنَّاذِرَ النُّذُورَ عَلَيَّا إِنَّمَا يُقْتَلُ النِّيَامُ ولا يُقْتَل مَنْ كانَ ذَا سِلاحٍ كَمِيَّا وذلك بمنزلة قول الشاعر: فَبَايعَ أمْرَهُمْ وَعَصى قَصيِرًا ... يَكادُ يَقُولُ لَوْ نَفَعَ اليَقِينَا وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيهِ ... وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا وَمَينا وبمنزلة ما تقدم لعبد بن الأبرص. ومن السناد اختلاف التوجيه في الشعر المقيد، وهو أن يجئ ما قبله الروي تارة مضمومًا وتارة مفتوحًا وتارة مكسورًا، وبعضهم لا يرى ذلك سنادًا. فأما الشعر المطلق، فاختلاف ذلك ليس فيه بعيب. الإجازة وقد اختلف فيها، فمنهم من يجعلها للاختلاف في التوجيه بالفتح كقول امرئ القيس: وَالْيَوْمَ قَر ومنهم من يجعلها اختلاف الروي مثل قوله: قُبِّحْتَ مِنْ سَالِفَةٍ وَمِنْ صُدُغْ ... كَأنَّهَا كُشْيَة ضَبٍّ في صُقُعْ ومنهم من يجعلها ورود عروضين في قصيدة. كقول عبيد: مَنْ يَسْأَل النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وَسَائِلُ اللهِ لا يَخِيبُ ثم قال فيها: سَاعدْ بِأَرْضٍ إذا كُنْتَ بِهَا ... وَلاَ تَقُلْ إنَّنِي غَرِيبُ فعروض الأول قعولن وعروض الثاني مفتعلن. ويقال: إن اشتقاق الإجازة من أجزت الحبل إذا خالفت بين قواه. ومنهم من يقول: الإجازة غير معجمة. ويذهب إلى تغيير الروي. واشتقاقها من أجرت بده إذا. ذكر الإجازة معجمة ابن دريد، قال إنها عيب. التضمين وهو تمام وزن البيت قبل تمام المعنى، كقول النابغة: هُمُ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ ... وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكاظَ، إنِّي شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صَادِقَاتٍ ... بِخَيْرِهِمُ بِنُصْحِ الصَّدْرِ مِنِّي وبعض الناس يسمي هذا إغرامًا، ويجعل التضمين مثل قوله: أَمَاوِيَّ إِنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بِقَفْرَةٍمِنَ الأَرْضِ لا مَاءٌ لَدَيَّ وَلاَ خَمْرُ تَرى أَنَّ مَا أَمْلَلْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِيوَأَنَّ يَدِي مِمَّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ ومعنى التضمين والإغراء عائد إلى شيء واحد في اللغة، كما تقول: ضمنتك كذا وأغرمتك إياه. ويكون معناهما ألزمتك إياه. فكأن الشاعر قد ألزم البيت الثاني في إتمام الحال ومن ذلك سمي الغريم غريمًا لملازمته. قال تعالى: " إن عذابها كان غرامًا ". المعاظلة ومن العيوب المعاظلة، وأصله التعاظل. يقال: تعاظلت الجرادتان، وعاظل الرجل المرأة. ومنه قول بعض الصحابة: بارك الله في زهير؛ كان لا يعاظل كلامه وذهب قوم إلى أنه كالتضمين. قال أبو الفرج قدامه: هو قبيح الاستعارة. كقول أوس بن حجر: وَذَاتِ هِدْمٍ عَارٍ نَوَاشِرُهَا ... تَصْمِتُ بِالمسَاءِ تَوْلَبًا جَدِعَا فاستعار التولب - وهو ولد الحمار للصبي. التحريد ومن العيوب التحريد والتحريد الميل. ومنه قول جرير: نَبْنِي عَلى سَنَنِ العَدُوِّ بُيُوتَنَا ... لا يَسْتَحيرُ وَلا يَحُلّ حَرِيدا أي لا يميل عن الطريق. ولم يحد بشيء. وقد ذكره النابغة، فقال: وَعْثُ الرِّوَايَةِ بَادِي العَيبِ مُنْتَكِبٌ ... فِيهِ سِنادٌ وَإِقْوَاءٌ وَتَحْرِيدُ
وكان الخليل يرتب الشعر ترتيب بيت الشعر، فسمي الإقواء. وهو اختلاف في الإعراب - أقوى الفاتل الحبل به جاءت قوة منه تخالف سائر القوى - وسمي السناد سنادًا من مساندة بيت إلى بيت إذا كان كل واحد منهما يلقى على صاحبه. وسمي الإكفاء وهو ميل نون مع ميم من فساد كقوة البيت وهي الشقة التي في آخره والإيطاء من طرح بيت على بيت وأصله أن يواطئ شيء شيئًا وقد مضى ذكره.
صفحة غير معروفة