وأما المؤلف فغرضه من هذا وذاك، أن تنتفع بكتابه كل فئة من الفئات، فأهل البصيرة والاستدلال يزدادون علمًا ونورًا بما اختاره لهم من كتب الأئمة وعلماء الاستقلال، ولا يضرهم ما لا يوثق به من أقوال المقلدين ومدعي الكشف والإلهام، ولكن الذين يقدسون هؤلاء يجدون من أقوالهم ونقولهم وكشفهم أنهم يتفقون مع الآخرين على أن أصل هذا الدين "الإسلام" الأساسي المقدس المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو كتاب الله وكلامه "القرآن العظيم" ويليه ما بينه للناس بأمره من سنة رسوله خاتم النبيين، التي تواترت أو اشتهرت عنه بعمل الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار، ويليها ما صح عند هؤلاء الأئمة من حديثه ﷺ المروي بنقل الثقات، وما دون هذا من الأخبار والآثار التي اختلف الحفاظ في أسانديها أو استشكل فقهاؤهم متونها، فهو محل اجتهاد.
ويجد قارئ هذا الكتاب من أقوال أصناف العلماء ما فيه لعله لا يجده مجموعًا في غيره، وإنني أورد نموذجًا من مباحثه وطريقته في نقوله:
المذاهب في الضعيف والمرسل والموقوف:
من أهم هذه المباحث: أقوال المحدثين في معنى الحديث الضعيف الذي وقع الاختلاف في العمل به، فاستحبه بعضهم في فضائل الأعمال، والأخذ به في المناقب. ومن فروع هذا الاختلاف أن الضعيف في جامع الترمذي ودون الضعيف في مسند أحمد، فيقبل من ضعاف المسند ما لا يقبل من ضعاف الترمذي لأنها تساوي الحسان فيه.
ومنها: الاحتجاج بالحديث المرسل واختلاف المذاهب فيه، واستثناء الجمهور مراسيل أصحابة، وحجتهم وحجة مخالفيهم، والأقوال في الموقوف على الصحابي الذي له حكم المرفوع، والذي يعد رأيا له، والأقوال في عدالة جميع الصحابة في الرواية عند جمهور أهل السنة وحجة مخالفيهم فيها، وغير ذلك من المسائل التي لا يستغني عن معرفتها الذين هداهم الله في هذا العهد إلى الاهتداء بهدي محمد ﷺ على صراط الله الذي استقام عليه السلف الصالح وهي كثيرة. وقد بين المؤلف رحمه الله تعالى رأيه وفهمه في بعض دون بعض، وما كان لمن يُعنى بكثرة النقل، وعرض وجوه الاختلاف في العلم، أن يمحص المسائل كلها فيه،
1 / 14