وكان ابن عباس يقول: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، ويذهب إلى أنه منسوخ بآية المائدة (1)؛ وكان جابر بن زيد -رحمه الله- يقول: كيف يمسح على الخفين والله تعالى يخاطبنا بنفس الوضوء (2)؛ وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: والله ما كان للنبيء - عليه السلام - خفان قط، ولا مسح عليهما، ولوددت أن رجلي قطعت يوم أمسح على الخفين (3)؛ والأمر المجتمع عليه عند أصحابنا أن المتوضئ إذا أحدث يتوضأ وينزع خفيه ويغسل قدميه مقيما كان أو مسافرا، وأن طهارة القدمين هي الغسل، خلافا لمن قال طهارتهما هي المسح؛ واستدل بقراءة [من قرأ] (4) {وأرجلكم} بالخفض عطفا على الرأس بالمسح، والله أعلم (5).
--------------------
قوله قبل نزول المائدة: يعني أن المسح على الخفين نسخ بآية الوضوء، فعلى هذا كانوا يتوضؤون قبل نزولها، ولعله بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ولو في غير خصال التوحيد، والراجح عندنا أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا إلا فيما لا ينسخ كالتوحيد ومحاسن الأخلاق، والله أعلم، فليحرر (6).
قوله واستدل بقراءة من قرأ: {وأرجلكم} بالخفض ... الخ: جوابه ما ذكره التفتزاني
__________
(1) - أبو غانم الخراساني، المدونة الصغرى، 1/ 87؛ وروى ذلك جابر بن زيد في كتاب روايات ضمام، ص. 504 (مخطوط)؛ وروى معناه ابن أبي شيبة في مصنفه، 1/ 31.
(2) - الجامع الصحيح ترتيب مسند الإمام الربيع بن حبيب، 1/ 36، باب في المسح على الخفين، رقم: 123.
(3) - المصدر السابق، رقم: 122.
(4) - سقط من ب.
(5) - وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة؛ وقد رد على هؤلاء بأنه: ولو كان {وأرجلكم} =
(6) - صرح بذلك القطب اطفيش في التيسير (3/ 191)؛ وإلى الرأي الأول ذهب بعض علماء الإباضية، واختاره الإمام السالمي واشترط له أن لا يكون منسوخا، وأن يرد في القرآن أو في السنة من غير إنكار له، وأن يكون ذلك على جهة التشريع لنا. (طلعة الشمس، 2/ 60).
صفحة ١٥٤