وما دل سبحانه من هذه الصفات كلها وغيرها على المنافقين، فموجود اليوم كثير في من يتسمى كذبا وظلما بأسماء المتقين، وهذا فهو معنى النفاق المعروف في لسان العرب وكلامها، وما يدور من معلوم اللسان فيه بين خوآصها وعوآمها، لا يجهله منها صغير طفل، ولا كبير كهل، ولو كان النفاق ليس إلا ما زعم بعض الناس من إسرار الشرك وإعلان التوحيد والإقرار، لما جاز أن يقال :{هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}، وكيف يقول هم أقرب إليه ؟ وهم فيه وعليه ! هذا مالا يصلح توهمه في الكتاب لتناقضه واختلافه ! وميله عن الحكمة وانصرافه ! وكيف يصح أن لا يكون النفاق إلا إسرار الشرك بالله ؟! والله يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله :{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} [التوبة: 73، والتحريم:9]. فكيف يأمره بجهادهم على ما طووه من شركهم سرا ؟! وهو لا يحيط صلى الله عليه بكثير من علانيتهم خبرا. فكيف يأمره بجهادهم على سر القلوب ؟! الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب!! وكل من قال بأن النفاق إسرار الشرك بالله، غير موجب على نفسه لجهاد المسرين لشركهم بالله، دون أن يعلنوا من الشرك ما أسروا، ثم أن يمتنعوا من شركهم ويتبروا، وفي هذا عليهم حجة لعدوهم في الجهل بالنفاق قاطعة، بينة مضيئة فيما قلنا به من أن النفاق فعل علانية لهم مما قالوا إن أنصفوا مانعة.
صفحة ١٧٦