المبتدعة في النفي والإثبات (١) مثل قول القائل في جهة، وهو متحيز، أو ليس بمتحيز، ونحوها من الألفاظ التي تنازع فيها الناس، فليس مع أحدهما نص لا عن الرسول ولا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين. فإن هؤلاء لم يقل أحد منهم إن الله في جهة، ولا قال ليس هو في جهة، ولا قال هو متحيز، بل ولا قال هو جسم، أو جوهر. ولا قال ليس بجسم ولا جوهر، فهذه الألفاظ ليست منصوصة في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، والناطقون بها قد يريدون معنى صحيحًا وقد يريدون معنى فاسدًا، فمن أراد معنى صحيحًا موافق الكتاب والسنة كان ذلك مقبولًا منه، وإن أراد معنى فاسدا مخالف الكتاب والسنة، كان ذلك المعنى مردودا عليه. فإذا قال القائل: إن الله في جهة، قيل له: ما تريد بذلك؟ أتريد أنه سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به مثل أن يكون في جوف السماوات أم تريد بالجهة أمرًا عدميًا وهو ما فوق العالم فإنه ليس فوق العالم شيء من المخلوقات، فإن أردت الجهة الوجودية، وجعلت الله محصورًا في المخلوقات، فهذا باطل، وإن أردت الجهة العدمية، وأردت أن الله وحده فوق المخلوقات بائن عنها فهذا حق، وليس في ذلك أن شيئًا من المخلوقات حصره ولا أحاط به ولا علا عليه العالي بل هو العالي المحيط بها وقد قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧]
_________
(١) قال ابن أبي العز في " شرح الطحاوية " (ص ١٠٩): " والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة. والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات، ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده وأما أهل الحق والسنة والإيمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده والذي قاله هؤلاء إما أن يعرضوا عنه إعراضا جميلا أو يبينوا حاله تفصيلا ويحكم عليه بالكتاب والسنة لا يحكم به على الكتاب والسنة ". وانظر " شرح الطحاوية " (ص ١٠٨ - ١٠٩) لبيان أن طريقة القرآن في مجيء الإثبات للصفات مفصلا والنفي مجملا عكس طريقة أهل الكلام المذموم.
1 / 46