تأثير القدرة في حدوث ذلك الفعل ، لا شركة من ذلك المحل. وذلك لأن وجود الشيء جزء من كونه موجدا لغيره فلو كانت هذه القدرة غنية في مؤثريتها عن ذلك المحل ، لكانت غنية أيضا في وجودها عن ذلك المحل. لأنه متى كان المركب غنيا عن شيء ، كان كل واحد من بسيطه أيضا غنيا عنه. فثبت : أن هذه القدرة لو كانت في مؤثريتها في الفعل غنية عن ذلك المحل ، لكانت في وجودها أيضا غنية عن ذلك المحل. وذلك محال. فثبت بما ذكرنا : أن القدرة لو كانت مؤثرة في وجود الفعل ، لكان ذلك التأثير إما أن يكون بشركة من ذلك المحل ، أو لا بشركة من ذلك المحل ، وثبت كون كل واحد من هذين القسمين باطلا. فثبت : أن القدرة غير مؤثرة في حدوث الفعل.
وهذا هو دليل الحكماء على أن القوى الجسمانية غير مؤثرة في الوجود أصلا.
وبالله التوفيق
* البرهان العاشر
لو كان فعل العبد يحدث بإيجاد العبد ، لوجب أن لا يجد إلا ما أراده العبد. واللازم باطل ، فالملزوم مثله.
بيان الشرطية : أن العبد لما كان قادرا على الأفعال المختلفة ، كان رجحان البعض على الباقي لا يكون إلا بقصده ، فوجب أن لا يقع ، وان لا يحدث إلا ما قصده وأراده. وبيان أنه ليس كذلك : أن العبد يقصد تحصيل العلم الحق ، والاعتقاد الصواب ، فلا يحصل له ذلك ، بل يحصل له الجهل والباطل. ويقصد الإيمان ، فيحصل له الكفر. بل نقول : الإنسان إذا كتب سطرا ، فلو أتى بجميع حيل الدنيا ، حتى يكتب سطرا آخر ، يشابه الأول ، في جميع الكيفيات المحسوسة. لعجز عن ذلك. فثبت بما ذكرنا : أنه لو كان فعله بإيجاده ، لما وقع إلا ما قصد إيقاعه. وثبت : أنه ليس كذلك ، فوجب أن لا يكون فعله بإيجاده. وهذه الدلالة أخذتها من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «عرفت ربي بنقص العزائم ، وفسخ الهمم».
فإن قيل : إنه إنما حصل له هذا الاعتقاد المخصوص ، لأنه ظن أن هذا الاعتقاد علم وحق وصواب. فلهذا السبب اختاره وحصله ورضي به.
فالحاصل : أنه إن علم كونه جهلا ، لما رضي به ، ولكنه لما اعتقد فيه أنه هو العلم. لا جرم رضي به واختاره.
والجواب : إن هذا باطل من وجهين :
الأول : إنه إنما قصد تحصيل هذا الاعتقاد. لأنه كان قد اعتقد أن هذا الاعتقاد : علم. فلو لا تقدم ذلك الجهل ، وإلا لما رضي بهذا الجهل الثاني. فنقول : ذلك الجهل الأول ، كيف
صفحة ٩٣