حصل الامتياز يكون شرطا في أحد الطرفين أو مانعا في الطرف الآخر؟ ثم نقول : الفرق بين الإعادة وبين الابتداء. هو أنه لو صحت الإعادة من العبد ، لكان إما أن يقدر على إعادته بتلك القدرة ، التي بها أوجد ذلك الفعل في الابتداء ، أو بغير تلك القدرة. والقسمان باطلان. أما أنه يمتنع إعادة ذلك الفعل بعين القدرة التي بها أوجده في الابتداء. فذلك لأن القدرة لا بد وأن تتعلق في كل وقت بإيجاد فرد من أفراد ذلك النوع. فلو تعلقت أيضا في وقت من الأوقات بإعادة ما عدم ، لكان قد تعلقت في الوقت الواحد ، في المحل الواحد من الجنس الواحد بأكثر من مقدور واحد. ولو جاز ذلك لما كان عدد أولى من عدد. فيلزم جواز تعلقها بما لا نهاية له. وذلك محال. لأنه يلزم أن لا يبقى التفاوت بين القادر وبين الأقدر. فثبت : أن إعادة الفعل بعين القدرة التي حصل بها الإيجاد في الابتداء : محال. وأما أنه لا يمكن إعادته بقدرة أخرى. لأنه لو جاز أن تتعلق قدرتان بإيجاد مقدور واحد ، لجاز قيام كل واحد منهما بقادر آخر. وذلك يفضي إلى حصول مقدور ، بين قادرين. وهو محال. فثبت : أن العبد لو قدر على إعادة فعل نفسه ، لقدر عليه. إما بعين تلك القدرة وإما بقدرة أخرى وثبت أن كل واحد منهما محال فلزم القول : بأن العبد لا يقدر على الإعادة. وهذا العذر غير موجود في القدرة على إيجاد الفعل ابتداء. فثبت: أنه لا يلزم من قدرة العبد على الإيجاد ابتداء ، قدرته على إعادة ذلك الفعل. فهذا هو تقرير هذا الفرق.
ثم نقول : هذا الذي ذكرتم قياس فاسد. لأن الفرق الذي ذكرناه. إن صح ، فقد بطل الجمع. وإن فسد ، منعنا الحكم في الأصل ، وقلنا : العبد يقدر على الإعادة. فهذا القياس دائر بين ظهور الفارق بين الأصل والفرع. وبين منع الحكم في الأصل ثم نقول : إنكم بنيتم هذه الحجة على أنا سلمنا أن العبد لا يقدر على إعادة فعل نفسه. ولو منعنا ذلك ، وحكمنا بأنه يجوز منه إعادة فعله ، فحينئذ لا يبقى دليلكم البتة.
والجواب : أما بيان أن الإعادة جائزة فهو أن جواز الوجود من لوازم الماهية ، فلما ثبت جواز إيجاده في بعض الأحوال ، وجب أن يدوم ذلك في كل الأحوال. قوله : «إنه نفي محض ، فكيف يمكن الحكم عليه بهذا الحكم المخصوص»؟ قلنا : قولكم : بأنه لا يصح الحكم عليه : حكم عليه بامتناع الحكم عليه. ولما كان عدمه غير مانع من هذا الحكم ، فلم لا يجوز أن لا يمنع أيضا من الحكم الذي ذكرناه؟ قوله : «الإعادة ممتازة عن الابتداء ، بأمر ما فلم لا يجوز أن يكون ما به الامتياز ، شرطا في أحد الطرفين ، وإلا لكان ذلك الوصف أيضا مبتدأ ، ويلزم التسلسل. وإذا كان ذلك الوصف عدما محضا ، امتنع دخوله في المقتضى.
وأما الفرق الذي ذكروه فهو بناء على أصولهم الفاسدة في أنه يمتنع حصول مقدور واحد ، بين قادرين. وفي أن القدرة الواحدة في الوقت الواحد ، في المحل الواحد ، من الجنس الواحد ، لا تتعلق إلا بمقدور واحد. وكل هذه الأصول عندنا فاسدة. قوله : «لو ثبت فساد هذا الفرق ،
صفحة ٩١