وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (٢).
فهذه الآيات المحكمات الواضحات، وغيرها كثير، تدل -بما لا يدع شبهة أو تأويلًا- على مضادة القرآن للعقائد النصرانيّة التي هي في حقيقتها انحراف عن الدين الذي جاء به عيسى ﵇.
ولو فرض بقاء أحد على مثل ما جاء به عيسى ﵇؛ فإنّه ملزم باتباع النبي الذي بشر به عيسى ﵇: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (٣).
ولهذا جاء عن النبي ﷺ قوله: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمنْ بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النّار) (٤). ولما رأى النبي ﷺ مع عمر ﵁ صحيفة فيها شيء من التوراة غضب وقال: (أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي) (٥).
الأمر الخامس: إنّ استشهاد النصارى بالقرآن الكريم على صحة عقائدهم وسلامة كتابهم مغالطة بينة، لأنّ المستشهد بشيء على شيء لا بد أنْ يكون مصدقًا بذلك الذي
(١) سورة المائدة، الآية ٧٢.
(٢) سورة المائدة، الآية ٧٣.
(٣) سورة الصف، الآية ٦.
(٤) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع النّاس ونسخ الملل بملته، ح١٥٣، ١/ ٨٠.
(٥) رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني. انظر له: إرواء الغليل ٦/ ٣٤.
1 / 222