وإنما قلنا: إنه شئ لا كالأشئاء، نخبر عن كونه معلوما موجودا، يمكن الإخبار عنه، إذ لا فاعل للأشئاء إلا شئ. ولا خالقها إلا شئ، موجود غير معدوم؛ لأن المعدوم لا يفعل شيئا.
فإن قيل: إذا قلتم: إنه تعالى شئ لا كالأشئاء. فلم لم تقولوا أنه جسم لا كالأجسام؟
قيل له: لأنه قد يقال: جسم أجسم من جسم ولا يقال: شئ أشئاء من شئ.
فلا يجوز هذا, مع أن الجسم هو الطويل العريض العميق لا غير ذلك فقط. فلذلك لم نقل: جسم لا كالأجسام، إذا كانت الأجسام إنما هي ما كان طويلا عريضا عميقا.
والدليل من الكتبا على أن الله تعالى شئ: قوله تعالى: { أي شئ أكبر شهادة قل الله } فهو كذلك.
فمن سمى الله تعالى شيئا، فقد أثبته شيئا؛ إذ لا موجود إلا شئ. فلما كان الله تعالى كذلك، كان شيئا لا كالأشئاء.
والدليل من الكتاب، أنه تعالىشئ لا كالأشئاء: قوله تعالى: { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } .
المعنى: ليس كهو شئ، وليس مثله شئ من أشايء. تعالى الله عز وجل.
الباب الثاني عشر
في الدليل على حدث العالم
الدليل على حدث العالم: أنها لا تخلوا من أن تكون أحدثت أنفسها، أو أحدثها محدث، فإن كانت أحدثت أنفسها وهي عدم، ليست بشئ، أو أحدثت أنفسها، وهي موجودة.
فإن كانت أحدثت أنفسها، وهي عدم، غير موجودة فمحال أن يفعل ما لا شئ موجود، شيئا موجودا، لأن المعدوم لا يفعل شيئا.
وإن كانت أحدثت أنفسها، وهي موجودة. فمحال أيجاد الموجود؛ لأن الموجود إذا وجد، فقد كفى عن إيجاده ثانية، فلم يبق إلا أنها محدثة، أحدثها محدث، وأخرجها من العدم إلى الوجود. وهو الله - عز وجل.
ومما يدل على أن الأشئاء لم تحدث أنفسها: أنا قد نراها في حال وجودها وكمالها وقوتها، لا تقدر أن تخلق من النطفة جسما.
صفحة ٧