فلزوم النظر، وكيفية الإستدلال على الله بارئ الصور، من طريقين: من كتاب الله عز وجل، ومن حجة العقل.
أما من كتاب الله فكثير ، يلوح ذلك عند تلاوة القرآن، منت ذلك قوله عز وجل: (قل أنظروا ماذا في السماوات والأرض) فلم يأمرهم - عز وجل - نظر العين، دون التفكير والإعتبار في المنظور إليه, أن له خالقا خلقه، وبارئا برأه، وأخرجه من العدم إلى الوجود.
فإذا علم ذلك علم أن جميع الأشئاء كلها أجمع محدثة, أحدثها الله الذي ليس كمثله شئ، واخترعها من العدم إلى الوجود, وقد قال الله تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فلم يرد البارئ عز وجل أن يريهم بالعين خاصة، دون الفكرة بالعقل، لأنه تعالى يقول: ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي عقل، لأن القلب بضعة لحم لا تغنى شيئا، دون نور العقل الذي يحل في القلب.
والقعل في القلب أصله، وفرعه في الرأس، كالشجرة أصلها في الأرض، وفرعها في السماء.
وأما دليل وجوب الإستدلال على الله عز وجل, من جهة القعل, وما أمر به, من الأستدلال والتفكير، من العصل: لو أن رجلا لما يشاهد كتاب الله,
ولا أحدا من عباده، لما كان له عذر من معرفة الله؛ إذ لم يشاهد الكتاب بأمر الله تعالى فيه بمعرفته، ولا شاهد أحدا من المخلوقين، يأمرونه بذلك، فعليه من حجة العقل أن يعلم بحجة عقله، أن يأتي إلى دار مفروغة البناء فيكم عليها أن لا باني لها, أو يأته إلى كتابة قد كتبت، وأحكمت نظما فيكم عليها أن لا كاتب لها. فلما أن كان ذلك فاسدا في العقل، وجب في العقل ولزم لوزم النظر الدال على بارئ الصور. فهذا دليل وجوب النظر، من الكتاب وحجة العقل.
وبالله التوفيق
الباب الخامس
صفحة ٣