والرد على أصحاب النجوم نقول: ان النجوم أجسام، وصور مركبات، تحركها القدرة وما كان هذا سبيله كان محدثا. والمحدث لا يجوز أن يكون محدثا للحوادث.
والدليل على حدث النجوم: انتقالها من برج إلى برج، فلا تخلو من أن تكون كونها في ذلك البرج لعينها، أو لمعنى، فإن كان كونها في ذلك البرج لعينها، وجب أن لا تزول منه فقط؛ لأن الحكم العيني لا يزول إلا بزوال العين. وليس الأمر على ذلك؛ لأنا نعلم إنتقالها من برج إلى برج، فلا يجوز أن يكون كونها في البرج لعينها. ولا يجوز أن يكون بمعنى قديم؛ لأنه لو كان ذلك قديما لوجب أن لا يزول إلا بزوال ذلك المعنى، والمعنى القديم لا يعدم، فوجب أن لا يزول عن ذلك البرج أبدا، فإذا بطل أن يكون كونها في ذلك البرج لعينها، أو بمعنى قديم، لم يبق إلا أنها كانت فيها، بمعنى حدوث وانتقلت بمعنى حادث، فهي لا تخلو من أن تحلها الحوادث، وما حلتها الحوادث لم تخل منها، وان لم تخل منها لم تسبقها، وكانت حادثة مثلها.
فإذا صح أن النجوم محدثات، لم يجز أن يكون لها أفعال؛ لأن المحدث لا يفعل في غيره سيئا ولا يوجد عدما، ولا يعدم وجودا، فبطل أن يكون للنجوم تأثير في ايجاد ما يوجد وإعدام ما يعدم. وبالله التوفيق.
الباب الثامن والعشرون
في الرد على من أحتج بقدم العالم
بأن لا نطفة إلا من انسان ولا انسان إلا من نطفة
ولا بيضة إلا من طير ولا طير إلا من بيضة
فإن قال قائل: أخبرونا أليس لم تشاهدوا إنسانا إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ولا طيرة إلا من بيضة ولا بيضة إلا من طيرة؟
قلنا: نعم.
فإن قال: فهلا قضيتم بذلك على الغائب؟
قلنا له: إن الطيرة لم تكن موجودة لوجود الطيرة قبلها.
وذلك أن الدلالة قد دلت على حدث الأجسام، وعلى قدرة محدثها فإذا كان ذلك كذلك، فالذي خلق نطفة فجعلها مضغة وعظاما وكسا العظام لحما، قادر على أن يخلق إنسانا كاملا، وإن لم يخلق قبل ذلك نطفة، ينقلها من حال إلى حال، وكذلك القول في الطيرة والبيضة.
صفحة ١٥