وكان أبو دلف كريمًا وسيمًا، صريحًا فصيحًا، وهو القائل:
الحربُ تضحكُ عن كرِّي وإقدامي ... والخيلُ تعرفُ آثاري وأيَّامي
سيفي مُدامي وريحاني مثقَّفتي ... وهمَّتي مقةُ التَّفصيل للهامِ
وقد تجرَّد لي بالحسن ذو بدعٍ ... أمضى وأشجع مني يوم إقدامي
سلَّت لواحظهُ سيف السِّقام على ... جسمي فأصبح جسمي ربع أسقامي
وقال أيضًا:
أحبُّكِ يا جنانُ وأنتِ منّي ... محلُّ القلبِ في جسدِ الجبان
ولو أنّي أقول: محلُّ روحي ... لخفتُ عليكِ بادرة الزَّمانِ
لإقدامي إذا ما الخيلُ جالت ... وهابَ كماتها حرَّ الطعانِ
وكان أبو دلف يتعشق قينة بمدينة السلام، فإذا شخص إلى الحضرة ألم بها، فأتى في بعض الأوقات، كمتقدم العادات، فمشى فرسه على طرف طيلسان بعض التجار فقده، فأخذ بعنانه، وقال: يا قاسم ليس هذا كرجك، هذه حضرة أمير المؤمنين، الشاة والذئب فيها يشربان من ماء واحد، فثنى عنان فرسه راجعًا إلى الكرج، ولم يسلم على السلطان، ولا ودع الإخوان، وكتب إلى صاحبته يقول:
قطعتْ عن لقائكِ الأشغال ... وهمومٌ تترى عليَّ ثقال
في بلادٍ يهانُ فيها عزيزُ ال؟ ...؟قوم حتى تنالهُ الأنذال
حيثُ لا مدفعٌ بسيفٍ عن الضي ... يم ولا للجياد فيه مجال
ومقامُ العزيزِ في بلد الهو ... نِ إذا أمكن الرّحيل محال
فعليكِ السَّلام يا ظبية الكر ... خِ أقمتم وحان منّا ارتحال
كتب بعض أهل العصر، وهو شمس المعالي بن وشمكير ملك جيلان وجرجان إلى بعض أصدقائه: كتبت أطال الله بقاء مولاي وما في جسمي جارحة إلا تود لو كانت يدًا نكاتبه، أو لسانًا يخاطبه، أو عينًا تراقبه، أو قريحة تعاتبه، بنفس ولهى، وبصيرة ورهى، وعين عبرى، وكبد حرى، منازعة إلى ما يقرب منه، وتمسكًا بما يتصل بي عنه، ومثابرة على أمل هو غايته، وتعلقًا بحبل عهد هو نهايته، وخاطري يميل نحوه ويحنو، ونفسي تأمل حنوه وترجو، وتقول: أتراه؟ بل لعله وعساه، يرق لنفسي قد تصاعد نفسها، ويرحم روحًا قد فارقها روحها ومؤنسها، فكيف بقلبه لو عاين صورة هذه صورتها، وشاهد مهجة هذه جملتها، فليرفق جعلت فداه بمن عاند برحًا عظيمًا، وكابد قرحًا أليمًا، وليرق لكبد مزقها البعاد، وعين أرقها السهاد، وأحشاء محرقة بنار الفراق، وأجفان مقرحة، بمدمعها المهراق، وقلب في أوصابه مقلب، ولب في عذابه معذب، ولو أني سعدت فأعطيت الرضى، وخيرت فاخترت المنى، لتمنيت أن أتصور صورتك، وأطالع طلعتك، فأمثل لها مثالي لتراه، وأخبر بكنه حالي [ومعناه]، أترفق ما أزله الدهر إلي، وأتلطف لإماطة ما أفاضه علي، وأشكو بعض ما نابني من نوائبه وغوائله، وأعلقني في أشراكه وحبائله، فإن كان ما رجوته مدركًا مبذولًا، وما بذلته مؤهلًا مقبولًا، وإلا تضرعت إلى الله تعالى في الخلاص، وسألته أن يأخذ لي بالقصاص، فوالله العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر، ما لي طاقة بما تجدده الساعات من مقيم الاشتياق ومقعده، ولا استطاعة لما تؤكده الأوقات من أليم الفراق ومكمده، فإن عطف إلي استعطافي، وعاد إلى عيادتي وإلطافي، وأنعم في جوابي بمجاوبتي، وشفع في تشفيعي لمأربتي، واهتز اهتزاز المشوق إذا عوتب، ورجع رجوع الموموق إذا كوتب، كان كمن أعاد نفسًا في نفسه، ونشر ميتًا من رمسه، وحقن مهجة قد أراقت خالص دمها المسفوح، وأحرز دمعًا قد دمي جفنه المقروح، فلا يرغب جعلت فداه عن الأجر في مداواة عليل، ولا يغفل عن المساعدة في شفاء غليل. وليعلم أن الأوقات إذا انجلت وتعضت، والساعات إذا ترحلت وقوضت، تمده بما شكا، وتزيده مما حكى، وقد رجوت أن يتأمل رسالتي، ويتصور بالغيب حالتي، تأملًا يجرر فيه أذيال إحسانه ويسحبها، وينشر أثواب امتنانه ويصحبها، ويتطول بالطول في المكاتبة، ويعود إلى الفضل في المخاطبة، بما يبرئ عليلًا، ويشفي غليلًا، ويفك أسيرًا، ويحيي قتيلًا (إن شاء الله، والسلام) .
وكتب إليه جوابًا عن جواب رسالته هذه:
1 / 6