يا رب فتيان صدق رحت بينهم ... والشمس كالدنف المشغوف في الأفق
ومرضة أصائلها حسرى شمائلها ... تروح الغصن الممطور في الورق
معاطيًا شمس إبريق إذا مزجت ... تقلدت عقد مرجان من النزق
عن ماحل طافح بالماء معتلج ... كأن نقيته صيغت من الحدق
تضمه الريح أحيانًا وتفرقه ... فالماء ما بين محبوس ومنطلق
من أخضر ناضر والطل يلحقه ... وأبيض تحت قبطي الضحى يقق
تهزه الريح أحيانًا فيمنحها ... للزجر خفق الفؤاد العاشق القلق
كأن حافاته نطقن من زبد ... مناطقًا رصعت من لؤلؤ نسق
كأن قبته في سندس نمط ... حسناء مجلوة اللبات والعنق
إذا تبلج فجر زرقتها ... حسبته فرسًا دهماء في بلق
أو لازوردًا غدا في متنه ذهب ... فلاح في شارق مت مائه شرق
عشية كملت حسنًا وأسعدها ... ليل يمدد أطنابًا على الأفق
تجلى بغرة وضاح الجبين له ... ما شئت من حسب زاك ومن خلق
قال محمد بن مخلد الكاتب: لزمت أبا الحسن علي بن محمد بن الفران، أغدوا وأروح إلى بابه لأحظى بطائل، ولا أصل إلى تصريف ولا نائل، حتى برمت نفسي، فرأيت هاتفًا في المنام يقول لي:
يا أيها المكثر في المطالب ... اهجر تصاريف المنى الكواذب
إذا أتى وقت القضاء الغالب ... بادرت الحاجات كف الطالب
فتركت المصير إليه، فلم يمض إلا أسبوع حتى تقلد أبو محمد حامد بن العباس الوزارة فقلدني خلافته، فتابت نفسي، وثابت حالي.
قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: أنشدني إسماعيل بن إسحاق القاضي هذه الأبيات:
لا تعتبن على النوائب ... فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب
ولكل صافية قذى ... ولكل خالصة شوائب
والدهر أولى ما صبر ... ت له على رنق المشارب
كم فرحة مطوية ... لك بين أثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
قال القاضي: ما عرض لي هم فادح، فذكرت هذه البيات إلا رجوت من روح الله ﷿ [من الفرج] ما يفك عقالي، وينعم بالي، ثم تزول عاقبة ما أحذره إلى فاتحة ما أوثره.
كتب بديع الزمان إلى شمس المعالي، وقد شاقه حضرته: لم تزل الآمال أطال الله بقاء مولاي الأمير السيد شمس المعالي وأدام سلطانه تعدني هذا اليوم، والأيام تمطلني بألسنة صروفها على اختلاف صنوفها، بين حلو استخفني، ومر أشرقني، وشر صار إلي، وخير صرت إليه، وأنا في خلال هذه الأحوال أرتع الآفاق، فأكون مشرقًا للمشرق الأقصى، وطورًا مغربًا للمغرب، ولا مطمع إلا في حضرته الرفيعة، وسدته المنيعة، ولا وسيلة إلا المنزع الشاسع، والأمل الواسع، وقد صرت أطال الله بقاء مولانا، بين أنياب النوائب، وتجشمت هول الموارد والمطالب، وركبت أكناف المكاره، ورضعت أخلاف العوائق، ومسحت أطراف المراحل، حتى حضرت الحضرة البهية أو كدت، وبلغت الأمنية أو زدت، وللأمير السيد في الإصغاء إلى المجد، والبسط من عنان الفضل بتمكين خادمه من المجلس يلقاه بيده، والبساط يلثمه بفمه الرأي العالي إن شاء الله تعالى.
1 / 40