بصخرتين أو آجرتين من قرب قلعة الترك، فربما ترددنا في اليوم إلى الشط مرارا وهذا حالنا، فلما اجتمع عنده صخر كثير أراد أن يبني منزله، فطلب وكنا نحن العملة، فبنينا له ما أراد بناه من البيوت.
وإذا مضينا معه إلى الحويزة العتيقة وأردنا الرجوع قال يا أولادي تمضون وتمشون من غير حمل؟ فكان يطلب سمكا عتيقا من أهلها وأشياء أخرى ويقول لنا: احملوه، فكنا نحمله وماؤه يجري على وجوهنا، وكنا إذا أردنا كتابة حاشية من كتابه ما يأذن لنا، لكن ربما أخذنا الكتاب منه سرقة وكتبنا منه بعض الحواشي، وهكذا كان حاله رحمه الله معنا، وكنا راضين بخدمته غاية الرضا لبركات أنفاسه الشريفة في الدرس، وكان طاب ثراه حريصا على الكتب وبقيت بعده عند أزواج بناته لا يعرف لها قيمة، وهذا كان حالنا في الدرس.
وأما بالنسبة إلى المآكل، فقد قلنا اننا كنا في بيت رجل من أكابرها، وفي أكثر الأوقات كنا نبقى في المدرسة لأجل المباحثة إلى وقت الظهر، فإذا مضينا إلى منزل الرجل وجدناهم فرغوا من الغذاء فنبقى إلى الليل، وقد كان صاحبي يلقط قشور البطيخ والرقي من الأرض ويأكلها بترابها، وكان يستتر عني بهذا حياء وخجلا، وكنت أنا أفعل مثل فعله، فأتيت يوما وطلبته فرأيته قد جمع القشور وجلس تحت الباب يأكلها بترابها، فلما رأيته ضحكت، فقال: وما يضحكك؟ فقلت: لأن هذه حالتي أنا وكل منا يكتم حاله عن الآخر، فقال: فإذا كان هذه حالنا فنجمع هذه القشور كل يوم ونغسلها بالماء ونأكلها.
فبقينا على هذا مدة، وكنا في تلك المدة نطالع على نور القمر، وكنت تعمدت حفظ متون الكتب مثل الكافية والشافية وألفية ابن مالك ونحوها، فإذا كانت الليالي مقمرة كنت أطالع، وإذا جاءت الليالي السود كنت أكرر قراءة تلك المتون على ظاهر قلبي حتى لا أنساها، وكان أهل المجلس يجلسون وأنا معهم، وكنت أظهر لهم صداع رأسي، فأضع رأسي بين ركبتي وأقرأ تلك المتون وهكذا كان حالي.
فبقيت على هذا مدة، فأتى والدي من الجزائر، وقال: ان أمكما تريدكما، فأخذنا معه إلى الجزائر، وبقينا فيها أياما قلائل، فرجعنا أيضا إلى الحويزة، فرأينا رجلا من أهل الجزائر يريد السفر إلى شيراز، فأخذ المرحوم أخي كتبه وأسبابه ومضى إلى
صفحة ١١