نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد
الناشر
مطبعة المعارف
مكان النشر
مصر
- هـ -
بَيْدَ أَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغ مِنْ الْكَمَالِ وَالاتِّسَاعِ فِي وُجُوهِ الاسْتِعْمَالِ إِلا بَعْدَ أَنْ تَعَاقَبَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الأَزْمِنَةِ تَلا فِيهَا الْبَلِيغُ الْبَلِيغَ إِلَى أَنْ اِسْتَتَبَّتْ لَهَا هَذِهِ الْمَزِيَّة الْبَيِّنَة، وَتَتَابَعَ اِسْتِعْمَالُهَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رَسَخَتْ مَلَكَتُهَا فِي الأَلْسِنَةِ ثُمَّ تَلَقَّاهَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ بِتَكَرُّرِ الرِّوَايَةِ وَتَتَابُعِ السَّمَاعِ وَحَمْل الْقَرَائِح عَلَى مُحَاكَاتِهَا بِمَا اِسْتَقَرَّ مِنْ هَيْئَتِهَا فِي الطِّبَاعِ فَلَمْ تَبْرَحْ نَازِلَة مِنْهُمْ مَنْزِلَتهَا مِنْ أَرْبَابِهَا، بَيْدَ أَنَّهَا اكْتَسَتْ نَاعِم الْخَزّ بَعْد خَشِن جِلْبَابهَا فَكَانَتْ بِهَا نَجْوَى الضَّمَائِرِ فَضْلا عَنْ حَدِيثِ الأَقْلامِ فِي الدَّفَاتِرِ أَوْ نُطْق الأَلْسِنَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ حَتَّى إِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَانْقَلَبَتْ حَال ذَوِيهَا بَطْنًا لِظَهْرٍ أَلْقَى الدَّهْر حَبْلهَا عَلَى غَارِبِهَا بَعْد إِذْ تَجَاوَبَ صَدَاهَا بَيْنَ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا فَأَقْفَرَتْ أَوْدِيَتُهَا وَتَقَوَّضَتْ أَنْدِيَتهَا وَخَرِسَتْ شِقْشِقَة خَطِيبهَا وَمِنْطِيقِهَا وَجَفَّتْ أَقْلام كُتَّابهَا بَعْدَ أَنْ جَرِضَتْ بِرِيقِهَا، وَطُوِيَتْ مَهَارِقُهَا فَهِيَ الْيَوْمَ مِنْ مُودَعَاتِ
المقدمة / 6