النبذة الكافية في أحكام أصول الدين

ابن حزم ت. 456 هجري
34

النبذة الكافية في أحكام أصول الدين

محقق

محمد أحمد عبد العزيز

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م

مكان النشر

بيروت

وَأَيْضًا فانه لَا يُقَال فِيمَا هُوَ فرض علينا ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله﴾ فِي وجوب هَذَا الْفَرْض عَلَيْهِ أُسْوَة حَسَنَة وَأَيْضًا فاذا كَانَت الْأَفْعَال فرضا كَمَا أَن الْأَوَامِر فرض لم يبْقى شَيْء يكون بِهِ عَلَيْهِ فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة فَيبْطل معنى الْآيَة وفائدتها وَهَذَا لَا يجوز وَوجه آخر وَهُوَ انما ندب الله تَعَالَى الى التأسي بِالنَّبِيِّ ﷺ َ - فِي هَذِه الْآيَة الْمُسلمين لَا الْكفَّار والمسلمون هم الَّذين يرجون الله تَعَالَى وَالْيَوْم الآخر وَلم ينْدب قطّ كَافِرًا الى التأسي بِالنَّبِيِّ ﷺ بِهَذِهِ الْآيَة وَلَا منعُوا أَيْضا من ذَلِك فَبَطل دَعْوَى الْوَعيد فِي اللَّفْظ جمله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق واما قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يتول فَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد﴾ فان هَذِه قَضِيَّة قَائِمَة بِنَفسِهَا مكتفيه بحكمها غير مُتَعَلّقه بِمَا قبلهَا وَلَا مَا قبلهَا مفتقر اليها وَلَا مُعَلّق بهَا وَلَا دَلِيل على ذَلِك أصلا فحصلوا أَيْضا على دَعْوَى ثَانِيَة بِلَا برهَان وَأَيْضًا لَو قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى وَمن يتول فان الله غَنِي عَمَّن تولى على ظَاهر الْآيَة وَقَالَ من يتَوَلَّى انى لَيْسَ لي أُسْوَة بِهِ ﵇ وَلَا بِمَا فِيهِ من أُسْوَة حينة فَمن قَالَ هَذَا فَهُوَ كَافِر فَهَذَا هُوَ الْمُتَوَلِي عَن الْآيَة حَقًا لَا من ترك ان يأتسي غير مُمْتَنع وَلَا رَاغِب عَن التأسي وَلَو كَانَ هَذَا لَكَانَ قولا لَا دَافع لَهُ وَهَذَا بَين جدا وَأَيْضًا فان الْقَائِلين بِهَذَا تعلقوا بذلك فِي مسَائِل يسيرَة جدا وَتركُوا مَالا يحصي من أَفعاله ﵇ فقد تناقضوا فان ادعوا اجماعا على انها لَيست فرضا كَانَت دَعْوَى زَائِدَة وافتراء على الْأمة وكل دَعْوَى لَا يقوم بِصِحَّتِهَا دَلِيل فَهِيَ باطله قَالَ الله تَعَالَى ﴿قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين﴾

1 / 48