كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
وهذا إخبار من الله سبحانه لعباده بأنه شرع لهم ذلك. وقيل: إنّ كُتِبَ هذا إشارة إلى ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ.
والْقِصاصُ أصله: قصّ الأثر: أي اتباعه. ومن القاص لأنه يتبع الآثار، وقص الشعر اتباع أثره، فكأن القاتل يسلك طريقا من القتل يقص أثره فيها ومنه قوله تعالى فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا (٦٤) [الكهف: ٦٤] . وقيل: إن القصاص مأخوذ من القص وهو القطع يقال: قصصت بينهما: أي قطعته.
وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن الحرّ لا يقتل بالعبد وهم الجمهور. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى وداود إلى أنه يقتل به إذا كان غير سيده، وأما سيده فلا يقتل به إجماعا، إلا ما روي عن النخعي، فليس بمذهب أبي حنيفة ومن معه على الإطلاق، ذكره الشوكاني في «شرح المنتقى» .
قال القرطبي: وروى ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتبة واستدلوا بقوله تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [سورة المائدة: ٤٥] وأجاب الأولون عن هذا الاستدلال بأن قوله تعالى:
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ مفسر لقوله تعالى: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وقالوا أيضا: إن قوله وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها، يفيد أن ذلك حكاية عما شرعه الله لبني إسرائيل في التوراة.
ومن جملة ما استدل به الآخرون قوله ﵌: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» «١» .
ويجاب عنه بأنه مجمل والآية مبينة، ولكنه يقال إن قوله تعالى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إنما أفاد بمنطوقه أن الحرّ يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد، وليس فيه ما يدل على أن الحرّ لا يقتل بالعبد إلا باعتبار المفهوم، فمن أخذ بمثل هذا المفهوم لزمه القول به هنا ومن لم يأخذ بمثل هذا المفهوم لم يلزمه القول به هنا، والبحث في هذا محرر في علم الأصول.
_________
(١) [صحيح] أخرجه أحمد في المسند [٢/ ١٩١- ١٩٢، ٢١١] وأبو داود في السنن [٣/ ٨١] ح [٢٧٥١، ٤٥٣١] وابن ماجه في السنن [٢/ ٨٩٥] ح [٢٦٨٣] والبيهقي في السنن الكبرى [٨/ ٢٩] .
1 / 29