64

نيل الأوطار

محقق

عصام الدين الصبابطي

الناشر

دار الحديث

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٣هـ - ١٩٩٣م

مكان النشر

مصر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ [نيل الأوطار] هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ إنَّمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ وَهُوَ مُتَّهَمٌ. قَالَ الْحَافِظُ: قُلْت: وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، لَكِنَّ إبْرَاهِيمَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ إنَّمَا يَرْوِيه ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ انْتَهَى. فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِهِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالطَّهَارَةِ بِرِوَايَةِ الْفَرْكِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمِثْلِ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ عَائِشَةَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا فُرِضَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ أَفَادَ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ فِي إزَالَةِ الْمَنِيِّ بِالْفَرْكِ، لِأَنَّ ثَوْبُ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَلَوْ كَانَ الْفَرْكُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا صَلَّى فِيهِ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ اطِّلَاعِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْفَرْكِ فَصَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ كَافِيَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَنُبِّهَ عَلَيْهِ حَالَ الصَّلَاةِ بِالْوَحْيِ كَمَا نُبِّهَ بِالْقَذَرِ الَّذِي فِي النَّعْلِ. وَأَيْضًا ثَبَتَ السَّلْتُ لِلرَّطْبِ وَالْحَكُّ لِلْيَابِسِ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَثَبَتَ أَمْرُهُ بِالْحَتِّ وَقَالَ: «إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إذْخِرَةٍ» وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَجِسٌ خُفِّفَ فِي تَطْهِيرِهِ بِمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا يَتَعَيَّنُ لِإِزَالَةِ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ سَابِقًا، وَإِلَّا لَزِمَ طَهَارَةُ الْعَذِرَةِ الَّتِي فِي النَّعْلِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي التُّرَابِ وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الصَّلَاةَ فِيهَا، قَالُوا: قَالَ ﷺ: «إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُزَاقِ وَالْبُصَاقِ» كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالُوا: الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِالْإِزَالَةِ غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْ فَرْكًا أَوْ حَتًّا أَوْ سَلْتًا أَوْ حَكًّا ثَابِتٌ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ نَجِسًا إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهِ بِمَا أَحَالَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ. فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ يَجُوزُ تَطْهِيرُهُ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْوَارِدَةِ، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ جَانِبِ الْجَمِيعِ. وَفِي الْمَقَامِ مُطَاوَلَاتٌ وَمُقَاوَلَاتٌ وَالْمَسْأَلَةُ حَقِيقَةٌ بِذَاكَ، وَلَكِنَّهُ أَفْضَى الْأَمْرَ إلَى تَلْفِيقِ حُجَجٍ وَاهِيَةٍ كَالِاحْتِجَاجِ بِتَكْرِمَةِ بَنِي آدَمَ. وَبِكَوْنِ الْآدَمِيِّ طَاهِرًا مِنْ جَانِبِ الْقَائِلِ بِالطَّهَارَةِ وَكَالِاحْتِجَاجِ بِأَنَّهُ فَضْلَةٌ مُسْتَحِيلَةٌ إلَى مُسْتَقْذَرٍ. وَبِأَنَّ الْأَحْدَاثَ الْمُوجِبَةَ لِلطَّهَارَةِ نَجِسَةٌ وَالْمَنِيُّ مِنْهَا، وَبِكَوْنِهِ جَارِيًا مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ جَانِبِ الْقَائِلِ بِالنَّجَاسَةِ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ وُجُوهٌ وَتَفْصِيلَاتٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْفُرُوعِ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا. (فَائِدَةٌ) صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: بِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ حَدِيثِ الْغَسْلِ وَالْفَرْكِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ بِأَنْ يُحْمَلَ الْغَسْلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلتَّنْظِيفِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَ: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا الْجَمْعُ مُمْكِنٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْغَسْلُ عَلَى مَا كَانَ رَطْبًا، وَالْفَرْكُ عَلَى مَا كَانَ يَابِسًا،

1 / 76