مدح الكاتب والبناء المجيدين في صنعتهما البارعين فيها فقد كابر مقتضى عقله
المطلب السابع عشر في التكليف
لا خلاف بين المسلمين في أن الله تعالى كلف عباده فعل الطاعات واجتناب المعاصي وأن التكليف سابق على الفعل. وقالت الأشاعرة هاهنا مذهبا غريبا عجيبا وهو أن التكليف بالفعل حالة الفعل لا قبله (1) وهذا يلزم منه محالات الأول أن يكون التكليف بغير المقدور لأن الفعل حال وقوعه يكون واجبا والواجب غير مقدور. الثاني يلزم أن لا يكون أحد عاصيا البتة لأن العصيان مخالفة الأمر فإذا لم يكن الأمر ثابتا إلا حالة الفعل وحال العصيان هو حال عدم الفعل فلا يكون مكلفا حينئذ وإلا لزم تقدم التكليف على الفعل وهو خلاف مذهبهم لكن العصيان ثابت بالإجماع ونص القرآن قال الله تعالى أفعصيت أمري (2) ولا أعصي لك أمرا (3) آلآن وقد عصيت قبل . (4) ويلزم انتفاء الفسق الذي هو الخروج من الطاعة أيضا. فلينظر العاقل لنفسه هل يجوز لأحد تقليد هؤلاء الذين طعنوا في الضروريات فإن كل عاقل يعلم بالضرورة من دين محمد ص
(1) وقال الفضل في المقام: لما ذهبت الأشاعرة إلى: أن القدرة مع الفعل، والتكليف لا يكون إلا حال القدرة فيلزم أن يكون التكليف مع الفعل. وراجع أيضا الملل والنحل ج 1 ص 96.
(2) طه: 93.
(3) الكهف: 69.
(4) يونس: 91.
صفحة ١٣٣