وكَرّتْ بألحاظِ المَها وتبسّمَتْ ... بعَجْفاءَ عن غُرٍّ لهُنّ غُروبُ
غرٌّ وغروبٌ تجنيسٌ مُتمم. وقال النابغةُ الجَعْدي:
لها نارُ جِنٍّ بعْدَ إنسٍ تحوّلوا ... وزال بهم صرْفُ النّوى والنوائِب
وقالت الخنساء:
إنّ البُكاءَ هوَ الشِّفا ... ءُ منَ الجَوى بيْنَ الجوانِحْ
وقالت أيضًا:
فقَدْ فقَدَتْكَ رَعْلَةُ واستراحَتْ ... فليْتَ الخيلَ فارسُها يَراها
وقال الأخنسُ بنُ شِهاب:
وحامي لواءٍ قد قتَلْنا، وحامِلٍ ... لواءَ منَعْنا، والرماحُ شَوارعُ
فقولُه حامي وحامِل جناسٌ متمَّم، وفي البيت ترصيع. وقال كعبُ بن زهير:
ولقَدْ علِمْتِ وأنتِ غيرُ حَليمةٍ ... ألاّ يُقرِّبُني الهَوى لهَوانِ
ومن مَليحِ هذا القِسْم من التجنيس قولُ الطائي؛ أخْبَرني عبدُ الرحمن الواسطي بقراءتي عليه قال: أنبأَني ابنُ خَيْرون عن الجَوْهَري وابنِ المُسْلمة قالا: أخبرَنا المرزباني عن شُيوخه قال: استَنْشَدَ عُمارةُ بن عَقيل بن بلال بن جرير أصحابَ أبي تمّام شيئًا من شِعْرِه فأنشَدوه:
إذا ألْجَمَتْ يومً لُجيْمٌ وحولَها ... بنو الحِصْنِ نجْلُ المُحصَناتِ النّجائِبِ
فإنّ المَنايا والصّوارِمَ والقَنا ... أقاربُهُم في الرّوعِ دونَ الأقاربِ
إذا الخيلُ جابَتْ قسْطَلَ النّقعِ صدّعوا ... صُدورَ العَوالي في صُدورِ الكتائبِ
يمدّون من أيْدٍ عَواصٍ عَواصمٍ ... تَصولُ بأسْيافٍ قَواضٍ قواضِبِ
فقال عُمارة: لله دَرُّه! كأنّ ردّاتِه ردّاتُ جرير، فسمّى التجنيس ردّاتٍ. قوله: عواصٍ وعواصم، وقواضٍ قواضِب من مستحسن التجنيس المُتمم. ومنه:
تجنيسُ القَوافي
قال النابغة الذبياني:
ترى الراغبينَ العاكفينَ ببابِه ... على كل شِيزَى أُترِعَتْ بالعَراعِرِ
لهُ بفناءِ البيت دهماءُ جَوْنَةٌ ... تلَقّمُ أوصالَ الجَزورِ العُراعِرِ
العَراعر الأسْنمة، والعُراعر الضّخْمَة الكبيرة. وقال قيسُ بن زهير:
أظنُّ الحِلْم دلّ عليّ قومي ... وقد يُسْتَجْهَلُ الرّجلُ الحليمُ
وكم مارَسْتُ في دهري رِجالًا ... أُباةً لا تُغِبُّهُمُ الحُلومُ
الحليمُ: الرجلُ ذو الحِلْمِ، والحُلوم: جمع حِلْم، ولما اختلفَ المعنى حسُنَتْ المُقاربةُ بين الكلمتين. وقال العَرْجيّ:
سمَّيْتَني خَلَقًا لحُلّةٍ خلقَتْ ... ولا جديدَ إذا لم يُلبسِ الخَلَقُ
ارجِعْ الى الحَقِّ إمّا كُنتَ قائِلَهُ ... إنّ التخلُّق يأتي دونَهُ الخُلُقُ
وقال أعشى بني أبي ربيعة:
أبو العِيصِ والعاصي وحرْبٌ ولم يكنْ ... أخٌ كأبي عَمروٍ يُشَدُّ به الأَزْرُ
صَفَتْ منهمُ الأعراضُ من كلِّ ريبةٍ ... تُخافُ وطابت في معاقدِها الأُزْرُ
وقال عمرو بن امرئ القيس الأنصاري:
خالَفْتُ في الرأيِ كلَّ ذي فجَرٍ ... يا مالِ والحقُّ غيرُ ما نَصِفُ
نمشي الى الموتِ من حفائِظِنا ... مَشْيًا ذَريعًا وحُكمُنا نَصَفُ
نصِفُ من الوصف، ونَصَفٌ من النَّصَفة. وقال أشيمُ بن شَراحبيل:
إذا سألتَ تميمًا عن شِرارِهِمِ ... فاطلُبْ أُسيِّدَ حتى تُدرِكَ السَّلَفا
مثل الإماءِ إذا ما جُلْبةٌ أزِمَتْ ... لا يَيْسَرون ولا تَلْقى لهم سُلَفا
السَّلَفُ الماضي والسُّلَفُ الطعام اليسيرُ يُقدَّم قبلَ الغَداء، واحِدتُهُ سُلَفَة بالضم، ومن ذلك قولهم سلَّفْتُ الرَّجُلَ تَسْليفًا، وإذا أطعَمْتَهُ شيئًا معَجَّلًا قبلَ غدائِهِ. وقال ابنُ عبْدَلٍ الأسَدي:
وإنّي لأستَغْني فما أبْطَرُ الغِنَى ... وأعرِضُ معْروفي على مُبْتَغي عَرْضي
وأُعْسِرُ أحيانًا فتَشْتَدُّ عُسْرَتي ... وأدرِكُ ميْسورَ الغِنى ومعي عِرْضي
وقالت جُمانةُ العَبْسيّة:
أبي لا يَرى أن يُسلَبَ اليومَ دِرْعَهُ ... وجَدّي يَرى أنْ يأخُذَ الدِرعَ من أبي
1 / 16