مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن
محقق
مرزوق علي إبراهيم
الناشر
دار الراية
رقم الإصدار
الأولى ١٤١٥ هـ
سنة النشر
١٩٩٥ م
تصانيف
الجغرافيا
أَيَّامًا كَثِيرَةً لَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَرْتَفِقُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، رَأَيْتُ فِي الْفَلاةِ خباء شعر مضروب فَقَصَدْتُهُ، فَإِذَا بَيْتٌ وَعَلَيْهِ شَيْءٌ مُسْبَلٌ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّتْ عَلَيَّ عَجُوزٌ مِنْ دَاخِلِ الْخِبَاءِ، وَقَالَتْ: يا إنسان! من أين أنت أَقْبَلْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ مَكَّةَ. قَالَتْ: وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: الشَّامَ. فَقَالَتْ: أَرَى شَبَحَكَ شَبَحَ إِنْسَانٍ بَطَّالٍ، أَلا لَزِمْتَ زَاوِيَةً تَجْلِسُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيكَ الْيَقِينُ ثُمَّ تَنْظُرُ هَذِهِ الْكِسْرَةَ مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُهَا؟ ثُمَّ قَالَتْ: تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: اقْرَأْ عَلَيَّ آخِرَ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، فَقَرَأْتُهَا فَشَهِقَتْ وَأُغْمِيَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفَاقَتْ بعد هوى، قرأت هي الآيات فأخذت قراءتها مني أَخْذًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا إِنْسَانُ! اقْرَأْهَا ثَانِيَةً، فَقَرَأْتُهَا فَلَحِقَهَا مَثْلُ مَا لَحِقَهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَقِيَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُفِقْ.
فقلت: كيف استكشف حالها مَاتَتْ أَمْ لا؟ فَتَرَكْتُ الْبَيْتَ عَلَى حَالِهِ وَمَشَيْتُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ، فَأَشْرَفْتُ عَلَى وَادٍ فِيهِ أَعْرَابٌ، فَأَقْبَلَ إِلَيَّ غُلامَانِ مَعَهُمَا جَارِيَةٌ، فَقَالَ أَحَدُ الْغُلامَيْنِ: يَا إِنْسَانُ! أَتَيْتَ البيت فِي الْفَلاةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قلت: نعم. قال: قتلت العجوز ورب الكعبة، فرجعت معهم حتى أتيت البيت، فدخلت الجارية فكشفت عنها وإذا هِيَ مَيْتَةٌ، فَأَعْجَبَنِي خَاطِرُ الْغُلامِ، فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: مَنْ هَذَانِ الْغُلامَانِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ أُخُتُهُمْ مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً مَا تَأْنَسُ بِكَلامِ النَّاسِ، تَأْكُلُ فِي كُلِّ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَكْلَةً وَشَرْبَةً.
1 / 181