المتواري علي تراجم أبواب البخاري

ابن المنير الإسكندري ت. 683 هجري
42

المتواري علي تراجم أبواب البخاري

محقق

صلاح الدين مقبول أحمد

الناشر

مكتبة المعلا

مكان النشر

الكويت

فِيهِ الْأَوَّلين وَالْآخرُونَ على تَرْتِيب. فَمُقْتَضى ذَلِك أَن الآخر فِي الدُّخُول أوّل فِي الْخُرُوج، كالوعاء إِذا ملأته بأَشْيَاء وضع بَعْضهَا فَوق بعض، ثمَّ استخرجتها، فَإِنَّمَا يخرج أَولا مَا أدخلته آخرا. فَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي كَون هَذِه الْأمة آخرا فِي الْوُجُود الأول، أوّلًا فِي الْوُجُود الثَّانِي. وَلها فِي ذَلِك من المصحلة: قلَّة بَقَائِهَا فِي سجن الدُّنْيَا، وَفِي أطباق البلى بِمَا خصها الله بِهِ من قصر الْأَعْمَار، وَمن السَّبق إِلَى الْمعَاد. فَإِذا فهمت هَذِه الْحَقِيقَة تصور الفطن مَعْنَاهَا عَاما، فَكيف يَلِيق بلبيب أَن يعمد إِلَى أَن يتَطَهَّر من النَّجَاسَة، وَمِمَّا هُوَ أيسر مِنْهَا، من الغبرات والقترات، فيبول فِي مَاء راكد ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ. فأوّل مَا يلاقيه بَوْله الَّذِي عزم على التَّطْهِير مِنْهُ، فَهُوَ عكس للحقائق وإخلال بالمقاصد، لَا يتعاطاه أريب وَلَا يَفْعَله لَبِيب. وَالله أعلم؟ وَالْحق وَاحِد، وَإِن تبَاعد مَا بَين طرقه. وَسَيَأْتِي للْبُخَارِيّ ذكر حَدِيث: " نَحن الأخرون السَّابِقُونَ " فِي قَوْله: " الإِمَام جنَّة يتقى بِهِ وَيُقَاتل من وَرَائه ". أَي هُوَ أول فِي إِسْنَاد الهمم والعزائم إِلَى وجوده. وَهُوَ آخر فِي صُورَة وُقُوفه، فَلَا يَنْبَغِي لأجناده إِذا قَاتلُوا بَين يَدَيْهِ، أَن يَظُنُّوا أَنهم حموه، بل هُوَ حماهم، وصان بتدبيره حماهم، فَهُوَ وَإِن كَانَ خلف الصَّفّ، إِلَّا أَنه فِي الْحَقِيقَة جنَّة أما الصَّفّ وَحقّ للْإِمَام أَن يكون مَحَله فِي الْحَقِيقَة الْأَمَام. وَالله أعلم.

1 / 74