المستصفى
محقق
محمد عبد السلام عبد الشافي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٣هـ - ١٩٩٣م
عَنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ لِتَعَلُّقِ غَرَضِ الزَّوْجِ لِجِنْسِ الرِّجَالِ لَا أَنَّهُ عَنَى بِلَفْظِ الرِّجَالِ رَجُلًا وَاحِدًا، أَمَّا إذَا أَرَادَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقَدْ تَرَكَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي يُخَصُّ بِهَا الْعُمُومُ]
ُ. لَا نَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالدَّلِيلِ إمَّا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَكَيْفَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢]، وَ﴿يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧]، وَ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٥]، وَ﴿وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] وَقَوْلِهِ: ﴿فاُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥]، وَ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨]، وَ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [النور: ٢] ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾ [النساء: ١١]، وَ﴿يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] «وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» فَإِنَّ جَمِيعَ عُمُومَاتِ الشَّرْعِ مُخَصَّصَةٌ بِشُرُوطٍ فِي الْأَصْلِ، وَالْمَحَلِّ، وَالسَّبَبِ وَقَلَّمَا يُوجَدُ عَامٌّ لَا يُخَصَّصُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْعُمُومِ.
، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي يُخَصُّ بِهَا الْعُمُومُ أَنْوَاعٌ عَشَرَةٌ: الْأَوَّلُ دَلِيلُ الْحِسِّ، وَبِهِ خُصِّصَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] فَإِنَّ مَا كَانَ فِي يَدِ سُلَيْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا، وَهُوَ شَيْءٌ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] خَرَجَ مِنْهُ السَّمَاءُ، وَالْأَرْضُ، وَأُمُورٌ كَثِيرَةٌ بِالْحِسِّ.
الثَّانِي: دَلِيلُ الْعَقْلِ، وَبِهِ خُصِّصَ قَوْله تَعَالَى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢] إذْ خَرَجَ عَنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ إذْ الْقَدِيمُ يَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧] خَرَجَ مِنْهُ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ دَلَّ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْعَقْلُ مُخَصِّصًا، وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى أَدِلَّةِ السَّمْعِ، وَالْمُخَصِّصُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا، وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ مَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ؟ قُلْنَا: قَالَ قَائِلُونَ: لَا يُسَمَّى دَلِيلُ الْعَقْلِ مُخَصِّصًا لِهَذَا الْحَالِ، وَهُوَ نِزَاعٌ فِي عِبَارَةٍ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الْأَدِلَّةِ مُخَصِّصَةً تَجَوُّزٌ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ مُحَالٌ لَكِنَّ الدَّلِيلَ يُعَرِّفُ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْعُمُومِ مَعْنًى خَاصًّا، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ يَجُوزُ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢] نَفْسَهُ، وَذَاتَهُ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ الْعَقْلِ فَهُوَ مَوْجُودٌ أَيْضًا عِنْدَ نُزُولِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَا قَبْلَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ دُخُولُهُ تَحْتَ اللَّفْظِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ اللِّسَانِ، وَلَكِنْ يَكُونُ قَائِلُهُ كَاذِبًا، وَلَمَّا وَجَبَ الصِّدْقُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ تَحْتَ الْإِرَادَةِ مَعَ شُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ.
الثَّالِثُ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ، وَيُخَصَّصُ بِهِ الْعَامُّ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَاطِعٌ لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهِ، وَالْعَامُّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ، وَلَا تَقْضِي الْأُمَّةُ فِي بَعْضِ مُسَمَّيَاتِ الْعُمُومِ بِخِلَافِ مُوجَبِ
1 / 245