قيل له: من أين قلت إن كلها تبقى ؟! وقد قال الله عز وجل في كتابه :{كل شيء هالك إلا وجهه}، والأبعاض التي هي غير الوجه هي شيء، وقد قال الله :{كل شيء هالك إلا وجهه}، ولن تجدوا حجة تدفعون بها الفناء عن الأبعاض التي هي سوى الوجه، إلا أن ترجعوا إلى قولنا . وقد قال الله في كتابه :{وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [الروم: 39]. وقوله :{إنما نطعمكم لوجه الله}، فليس على الأوهام الطالبة إليه للحق في تأويل هذا مؤنة، إذا نظرت بصافي عقلها استبان أن معنى قوله :{يريدون وجه الله} أي تريدون الله وثوابه، وقوله :{إنما نطعمكم لوجه الله} أي لله، وقوله :{كل شيء هالك إلا وجهه}.
وللوجه في القرآن معان في اللغة.
قال بعض العرب:
بالله ليس له شبيه
أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له
ومعنى تعنو الوجوه، أي: تستأسر النفوس، وكل امرؤ أسير يرى على أنه لله مستأسر، وإنما أراد بوجهه ذاته، فلما أن قال: أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له، ثم قال بالله، علمنا أنه إنما استعاذ بالله في قوله: أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له.
وقال آخر:
من لم يعذ الله دمر
إني بوجه الله من شر البشر أعوذ
وقال آخر:
وليس له من صاحب لا ولا ند
إلهي لا رب لنا غير وجهه
دليل على أنه أراد بذكره وجه الله أي: الله، ولم يرد بذكره وجهه، إنه بعض دون أبعاض، لأن الله سبحانه ليس بذي أبعاض.
قال ذو الرمة:
أجائرة أعناقها أم قواصد
أقمت لها وجه المطي فما درى
فجعل للمطي وجها، وليس ذلك الوجه على ما يعقل من وجه الإنسان.
وقال آخر:
إذا معقل راح البقيع وهجرا
أعوذ بوجه الله من شر معقل
وهذا دليل على أنه استعاذ بالله.
وقال آخر:
تخطى إلى المعروف نحو ابن عامر
صفحة ٣١٥