(الرد على من أنكر من الجهمية أن يكون الله سبحانه شيئا)
الحمد لله الذي علا على الخلائق، فلم يغب عنه خفيات الأمور، وكل شي عنده بمقدار، المنشئ لما أنشأه، فشيأه شيئا كما شاء، وجعله متناهيا محدودا، آثار الصنعة له لازمة، وأعلام العبودية فيه بينة، فأنشأ ما أنشأ نحوين: أحدهما مبتدأ لا من شيء.
والثاني منقول من شيء إلى شيء، ومحول من حال إلى حال، ومن طبيعة إلى طبيعة، كالمضغة تقلب من نطفة إلى علقة، والعلقة حولت مضغة، ثم جسدها لحما وأنشأها إنسانا، فصيره بشرا مخالفا للبهائم، في الشكل والهيئة، احتجاجا من الله على خلقه، بما أراهم من آياته فيهم.
وأن الله تبارك وتعالى وسم المعاني بأن قال: هي شيء، لإخراجه لها من العدم إلى الوجود لا أنه وصفها بهذه الصفة بمعنى، ولا فرق بينها وبين شيء، إذ قال لها: إنها أشياء، لأنه أخبرنا أنه خالق كل شيء، فكل شيء سواه هو خلق شيء، وكل خلق شيء، فقد خلق النار والثلج، فالثلج شيء، والنار شيء، وليس أحدهما بالآخر شبيها في لون ولا طبيعة ولا فعل، وإنما تماثلا في الشيئية، وقد اختلفا في الصفات، وإنما سميت الأشياء بأن قيل لهذا: شيء وهذا شيء، لإثبات الأشياء بأنها موجودة، وأنها ليست بعدم، وقد قال الله في كتابه: {كل شيء هالك إلى وجهه} [القصص: 88]. ذلك دليل على أن الله شيء لا كالأشياء، إذ الأشياء تهلك، وهو المهلك لما يشاء منها، وقد قال الله في كتابه :{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19]. فأخبر أنه شيء أكبر الأشياء، ولو قال قائل: أي الملائكة أفضل ؟ لم يجز أن يقال: بعض المؤمنين من الآدميين هو أفضل، لأن الآدميين ليسوا ممن ذكر في المسألة.
كذلك قال :{أي شيء أكبر شهادة}. علمنا أنه أجرى على نفسه الذكر أنه شيء ليس كالأشياء.
فإن سأل من الجهمية سائل: فقال: هل الله شيء ؟
صفحة ٣٠٤