مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودي ت. 346 هجري
96

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وكور أردشير بن بابك كورا، ومدن مدنا، وله عهد في أيدي الناس.ولما خلا من ملكه أربع عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة، واستقامت له الأرض، ومهدها، وصال على الملوك فانقادت إلى طاعته، زهد في الدنيا ، وتبين له عوارها، وما هي عليه من الغرور والعناء، وقلة المكث، وسرعة الغيلة منها إلى من أمنها، ووثق بها، واطمأن إليها، وبان له أنها غرارة وضرارة خاتلة زائلة بائدة، وما اعذوذب منها جانب لامرىء وحلا إلا تمرر منها عليه جانب وأوبى ورأى أن من بنى قبله المدائن وحصن الحصون وساق الجموع وكان أعظم جيشا وأشد جنودا وأتم عديدأ قد صار رميما هشيما، وتحت التراب مقيما فآثر التفرد عن المملكة، والترك لها، واللحاق ببيوت النيران، والانفراد بعبادة الرحمن، والأنس بالوحدة، فنصب ابنه سابور لمملكته، وتوجه بتاجه، وذلك أنه رآه أرجح ولده حلما، وأكملهم علما، وأشدهم بأسا، وأجزلهم مراسا، فعاش بعد ذلك في حال تزهده، وخلوه بربه، وكونه في بيوت النيران سنة، وقيل شهرا، وقيل: أكثر مما ذكرنا.وأقام أردشير اثنتي عشرة سنة يحارب ملوك الطوائف. فمنهم من يكاتبه فينقاد إلى ملكه رهبة من صولته، ومنهم من يمتنع عليه فيسير إلى داره ويأتي عليه، وكان آخر من قتل منهم ملكا للنبط بناحية سواد العراق اسمه بابا بن بردينا صاحب قصر ابن هبيرة، ثم أردوان الملك، وفي هذ اليوم سمي شاهنشاه، وهوملك الملوك.وأم ساسان الأكبر من سبايا بني إسرائيل، وهي بنت سانال، ولأردشيرابن بابك أخبار في بدء ملكه مع زاهد من زهادهم وأبناء ملوكهم يقال له بيشر وكان أفلاطوني المذهب على رأي سقراط وأفلاطون، أعرضنا عن ذكرها إذ كنا قد أتينا على جميع ذلك في كتابنا أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، مع ذكر سيره وفتوحه، وما كان من أمره، ولأردشير بز بابك كتاب يعرف بكتاب الكرنامج فيه ذكر أخباره وحروبه ومسيره في الأرض وسيره.

من وصايا أردشير وكتبه

وكان مما حفظ من وصية أردشير لابنه سابور عند نصبه إياه للملك أن قال له: يا بني، إن الدين والملك أخوان، ولا غنى لواحد منهما عن صاحبه ة فالدين أس الملك، والملك حارسه، وما لم يكن له أسر فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.وكان مما حفظ من مكاتباته أعني أردشير إلى خواص من أنواع رعيته وعماله: من أردشير بن بهمن ملك الملوك، إلى الكتاب الذين بهم تدبير المملكة، والفقهاء الذين هم عماد الدين، والأساورة الذين هم حماة الحرب، وإلى الحراث الذين هم عمرة البلاد، سلام عليكم، نحن بحمد الله صالحون، وقد رفعنا إتاوتنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا ورحمتنا، ونحن كاتبون إليكم بوصية فاحفظوها لا تستشعروا الحقد فيكم فيدهمكم العدو، ولا تحبوا الاحتكار فيشملكم القحط، وكونوا لأبناء السبيل مأوى ترووا غدا في المعاد، وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحم وأقرب للنسب، ولا تركنوا للدنيا فإنها لا تدوم لأحد، ولا تهتموا لها فلن يكون إلا ما شاء الله، ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها.وكتب أردشير إلى بعض عماله: بلغني أتك تؤثر اللين على الغلظة، والمودة على الهيبة، والجبن على الجراءة، فليشتد أولك، وليلن آخرك، ولا تخلين قلبا من هيبة، ولا تعطلنه من مودة، ولا يبعد عليك ما أقول لك فإنهما يتجاوران.

سابور بن أرلحشير وماني الثنوي

ثم ملك بعد أردشير ابنه سابور، وكان ملكه ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت له حروب مع كثير من ملوك العالم، وبنى كورا، ومصر مدنا نسبت إليه، كما نسب من الكور والمدن إلى آبائه، والعرب تلقبه سابور الجند، وفي أيامه ظهر ماني، وقال بالاثنين، فرجع سابور عن المجوسية إلى مذهب ماني والقول بالنور والبراءة من الظلمة، ثم عاد بعد ذلك إلى دين المجوسية، ولحق ماني بأرض الهند؟ لأسباب أوجبت ذلك قد أتينا على ذكرها فيما سلف من كتبنا.

بين قيصر وسابور

صفحة ١٠٧