مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودي ت. 346 هجري
94

مروج الذهب ومعادن الجوهر

كان أول من نس!ب إليه ملوكهم على حسب ما قدمنا في الباب الذي قبل هذا أردشير بن بابك شاه بن ساسان بن بابك بن ساسن بن بهاوند بن دارا بن ساسان بن بهمن بن إسفنديار بن يستاسف بن بهراسف على حسب ما قدمنا من نسب بهراسف، وقيل: إنه أردشير بن بابك بن ساسان لأصغربن بابك بن ساسان بن بابك بن مهرمس بن ساسان بن بهمن بن إسفنديار بن يستاسف بن بهراسف ولا خلاف بينهم في أن أردشير من ولد منوشهر، وكان مما حفظ من قوله يوم ملك وقتل أردوان وفرغ من ملوك طوائف ووضع التاج على رأسه أن قال: الحمد لله الذي خضنا بنعمه، شملنا بفوائده وقسمه، ومهد لنا البلاد، وقاد إلى طاعتنا العباد نحمده حمد من عرف فضل ما آتاه، ونشكره شكر الداري بما منحه واصطفاه، ألا وإناساعون في إقامة منازل العدل، وإدرار الفضل، وتشييد المآثر،وعمارة البلاد، والرأفة بالعباد، ورم أقطار المملكة، ورد ما انخرم في سائر الأيام منها، فليسكن طائركم، أيها الناس، فإني أعم بالعدل القوي والضعيف، والدنيء والشريف، وأجعل العدل سنة محمودة، وشريعة مقصودة، وستردون في سيرتنا إلى ما تحمدوننا عليه، وتصدق أفعالنا أقوالنا، إن شاء الله تعالى، والسلام. قال المسعودي: وأردشير بن بابك المتقدم في ترتيب طبقات القدماء، وبه اقتدى المتأخرون من الملوك والخلفاء، وكان يرى أن ذلك من السياسة، ومما يدعم عمود الرياسة؛ فكانت طبقات خاصته ثلاثا: الأولى الأساورة وأبناء الملوك، وكان مجلس هذه الطبقة عن يمين الملك، على نحو من عشرة أذرع، وهم بطانة الملك وندماؤه ومحدثوه من أهل الشرف والعلم، وكانت الطبقة الثانية على مقدار عشرة أذرع من الأولى، وهم وجوه المرازبة وملوك الكورا والمقيمون بباب أردشير، والمرازبة وهم الإصبهبذية ممن كانت مملكة الكور في أيامه، والطبقة الثالثة كانت رتبتها على قدر عشرة أذرع من حد مرتبة الطبقة الثانية، وأهل هذه الطبقة المضحكون وأهل البطالة والهزل، غير أنه لم يكن في هذه الطبقة الثالثة خسيس الأصل، ولا وضيع القدر، ولا ناقص الجوارح، ولا فاحش الطول أو القصر، ولا مؤف، ولا مرمي بأبنة، ولا ابن في صناعة دنيئة كابن حائك أو حجام، ولوكان يعلم الغيب أوحوى كل العلوم مثلاوكان أردشير يقول: ما شيء أضر على نفس ملك أو رئيس أوذي معرفة صحيحة من معاشرة سخيف أو مخالطة وضيع؟ لأنه كما أن النفس تصلح على مخالطة الشريف الأريب الحسيب، كذلك تفسد بمعاشرة الخسيس، حتى يقدح ذلك فيها، ويزيلها عن فضيلتها، ويثنيها عن محمود شريف أخلاقها، وكما أن الريح إذا مرت بالطيب حملت طيبا تحيا به النفوس وتتقوى به جوارحها، كذلك إذا مرت بالنتن فحملته ألمت به النفس، وأضر بأخلاقها إضرارا تاما، والفساد أسرع إليها من الصلاح. إذ كان الهدم أسرع من البناء، وقديجد ذو المعرفة في نفسه عند معاشرة السفلة الوضعاء شهرا فساد عقله دهرا.وكان أردشير يقول: يجب على الملك أن يكون فائض العدل، فإن في العدل جماع الخير، وهو الحصن الحصين من زوال الملك وتخرمه، إن أول مخايل الإدبار في الملك ذهاب العدل منه، وأنه متى خفقت رايات الجور في ديار قوم كافحتها عقاب العدل فردتها على العقب، ييس أحد ممن يصحب الملوك ويخالطهم أولى باستجماع محاسن الأخلاق و فضائل الآداب وظرائف الملح وغرائب النتف من النديم، حتى إنه ليحتاج أن يكون له مع شرف الملوك تواضع العبيد، ومع عفاف النساك مجون الفتاك، ومع وقار الشيوخ مزاح الأحداث، وكل واحدة من هذه الخلال هو مضطر إليها في حال لا يحسن أن يجلب غيرها وإلى أن يجتمع له من قوة الخاطر ما يفهم به ضمير الرئيس الذي ينادمه، على حسب ما يبلوه من خلائقه، وبعلم من معاني لحظه وإشاراته ما يعينه على شهوته،لا يكون نديمأ حتى يكون له جمال ومروءة؛ فأما جماله فنظافة ثوبه، طيب رائحته، وفصاحة لسانه، وأما مروءته فكثرة حيائه في أنبساطه إلى الجميل، ووقاره في مجلسه، مع طلاقة وجهه في غيرسخف، ولا يستكمل المروءة حتى يسلوعن اللذة.

مراتب رجال الدولة

صفحة ١٠٥