وصف مدينة حمدان
قال المسعودي: وأخبرني أبو زيد الحسن بن يزيد السيرافي بالبصرةوكان قد قطنها وانتقل عن سيراف، وذلك في سنة ثلاث وثلثمائة، وأبو زيد هذا هو ابن عمر بن زيد بن محمد بن مزد بن ساسياد السيرافي، وكان الحسن بن يزيد من أهل التحصيل والتمييزأنه سأل ابن هبار هذا القرشي عن مدينة حمدان التي بها الملك وصفتها، فذكر سعتها، وكثرة أهلها، وأنها مقسومة على قسمين يفصل بينهما شارع عظيم طويل عريض، فالملك ووزيره وقاضي القضاة وجنوده وخصيانه، وجميع أسبابه في الشق الأيمن منه مما يلي المشرق لا يخالطهم أحد من العأمة، وليس فيه شيء من الأسواق، بل أنهار في سككهم مطردة، وأشجار عليها منتظمة، ومنازل فسيحة، وفي الشق الأيسر مما يلي المغرب الرعية والتجار والميرة والأسواق فإذا وضح النهار رأيت فيها قهارمة الملك وغلمانه وغلمان وزرائه ووكلائهم ما بين راكب وراجل قد دخلوا إلى الشق الذي فيه العأمة والتجار، فأخفا بضائعهم وحوائجهم، ثم انصرفا فلا يعود واحد منهم إلى هذا الشق إلا في اليوم الثاني، وأن هذه البلدان فيها كل نزهة وغيضة حسنة، وأنها مطردة إلا النخل فإنه معدوم عندهم.
مهارة أهل الصين
وأما أهل الصين فمن أحنق خلق الله كفا بنقش وصنعة وكل عمل لا يتقدمهم فيه أحد من سائر الأمم، والرجل منهم يصنع بيده ما يقدرأن غيره يعجز عنه؛ فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع، فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة، فإن لم يخرج أحد فيه غيبا أجاز صانعه وأدخله في جملة صناعه، وإن أخرج أحد فيه عيبا طرحه ولم يجزه، وأن رجلا منهم صورسنبلة سقط عليها عصفرفي ثوب حرير، لا يشك الناظر إليها أنها سنبلة سقط عليها عصفر، فبقي الثوب مدة، وأنه اجتاز به رجل أحدب، فعاب العمل، فأدخل إلى الملك وأحضر صاحب العمل، فسأل الأحدب عن العيب، فقال : المتعارف عند الناس جميعا أنه لا يقع عصفر على سنبلة إلا أمالها، وصور هذا المصورالسنبلة فنصبها قائمة لاميل فيها، وأثبت العصفر فقها منتصبا، فأخطأ، فصدق الأحدب، ولم يثب صاحبها بشيء، وقصدهم بهذاوشبهه الرياضة لمن يعمل هذه الأشياء؟ ليضطرهم ذلك إلى شدة الاحتراز والحذر وإعمال الفكرفيما يصنعه كل واحد منهم بيده.ولأهل الصين أخبار عظيمة عجيبة، ولبلادهم أخبار ظريفة سنورد فيمايرد من هذا الكتاب جملا منها وإن كنا قد أتينا على سائر الأخبار من ذلك في كتابنا أخبار الزمان في الأمم الماضية والممالك الدائرة وذكرنا في الكتاب الأوسط جملا لم نتعرض لذكرها في كتاب أخبار الزمان وربما ذكرنا في هذا الكتاب ما لم يتقدم ذكره في ذينك الكتابين، والله أعلم.
ذكر جمل من الأخبار عن البحار وما فيها وما حولها من العجائب والأمم، ومراتب الملوك وأخبار الأندلس ومعادن الطيب وأصوله وعدد أنواعه وغير ذلك
قد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب جملآ من ترتيب البحار المتصلة والمنفصلة، فلنذكر الان في هذا الباب جملا من أخبار ما اتصل بنا من البحر الحبشي والممالك والملوك، وجملا من ترتيبها، وغير ذلك من أنواع العجائب.
اضطراب بحر فارس وبحر الهند وهدوئهما
صفحة ٥٩