وولده يعرفن بالبراهمة إلى وقتنا، والهند تعظمهم، وهم أعلى أجناسهم وأشرفهم ، ولا يغتفن بشيء من الحيوان، وفي رقاب الرجل والنساء منهم خيوط صفر يتقلدون بها كحمائل السيوف، فرقا بينهم وبين غيرهم من أنواع الهند.
وقد كان اجتمع منهم في قديم الزمان في ملك البرهمن سبعة من حكمائهم المنظور إليهم في بيت الذهب فقال بعضهم لبعض: اجلسوا حتى نتناظر ة فننظر ما قصة العالم. وما سره؟ ومن أين أقبلنا. وإلى أين نمر؟ وهل خروجنا من عدم إلى وجود حكمة أو ضد ذلك. وهل خالقنا المخترع لنا والمنشىء لأجسامنا يجتلب بخلقنا منفعة، أم هل يدفع بفنائنا عن هذه الدار عن نفسه مضرة، أم هل يدخل عليه من الحاجة والنقص ما يدخل علينا. أم هل هو غني من كل وجه فما وجه إفنائه إيانا وإعدامنا بعد موجودنا وآلامنا وملاذنا؟ فقال الحكيم المنظور إليه منهم: أترى أحدا من الناس أدرك الأشياء الحاضرة والغائبة على حقيقة الإدراك؛ فظفر بالبغية واستراح إلى الثقة؟ قال الحكيم الثاني: لو تناهت حكمة البارىء عزوجل في أحد العقول كان ذلك نقصا من حكمته، وكان الغرض غير مدرك، وكان التقصير مانعا من الإدراك، قال الحكيم الثالث: الواجب علينا أن نبتدىء بمعرفة أنفسنا التي هي أقرب الأشياء منا ونحن أولى بها وهي أولى بنا، من قبل أن نتفرغ إلى علم ما بعد منا قال الحكيم الرابع: لقد ساء وقوع من وقع موقعا احتاج فيه إلى معرفة نفسه، قال الحكيم الخامس: من ههنا وجب الاتصال بالعلماء الممدودين بالحكمة، قال انحكيم السادس: الواجب علر المرء المحب لسعادة نفسه أن لا يغفل عن ذلك، لاسيما إذا كان المقام في هذه الدنيا ممتنعا، والخروج منها واجبا، قال الحكيم السابع: أنا لا أدري ما تقولون، غير أني أخرجت إلىهذه الدنيا مضطرا، وعشت فيها حائرأ، وأخرج منها مكرها.
فاختلف الهند ممن سلف وخلف في آراء هؤلاء السبعة، وكل قد اقتدى بهم، ويمم مذهبهم، ثم تفرعوا بعد ذلك في مذاهبهم، وتنازعوا في آرائهم، والذي وقع عليه الحصرمن طوائفهم سبعون فرقة.
قال المسعودي: وقد رأيت أبا القاسم البلخي ذكر في كتاب عيون المسائل والجوابات وكذلك الحسن بن موسى النوبختي في كتابه المترجم بكتاب الآراء والديانات مذاهب الهند وآراءهم، والعلة التي من أجلها أحرقوا أنفسهم في النيران، وقطعوا أجسامهم بأنواع العذاب، فما تعرضا لشيءمماذكرنا، ولايمما نحوما وصفنا.
حقيقة البرهمن
وقد تنوزع في البرهمن: فمنهم من زعم أنه أدم عليه السلام، وأنه رسول الله عزوجل إلى الهند، ومنهم من يقول: إنه كان ملكا على حسب ما ذكرنا، وهذا أشهر.
الباهبود بن البرهمن
ولما هلك البرهمن جزعت عليه الهند جزعأ شديدأ، وفزعت إلى نصب ملك عليها من أكبرولده؛ فكان ولي عهده الموصى له من ولده ابنه الماهبود، فسار فيهم سيرة أبيه، وأحسن النظر إليهم،زاد في بناء الهياكل، وقدم الحكماء، وزاد في مراتبهم، وحثهم على تعليم الناس الحكمة، وبعثهم على طلبها، فكان ملكه إلى أن هلك مائة سنة.
صنع النرد وحكمته
وفي أيامه عمل النرد، وأحدث اللعب بها، وجعل ذلك مثالا للمكاسب، وأنها لا تنال بالكيس ولا بالخيل فى هذه الدنيا، وأن الرزق لا يتأتى فيها بالحذق، وقد ذكر أن أردشير ين بابك أول من صنع النرد، ولعب بها، وأرى تقلب الدنيا بأهلها، واختلاف أمورها، وجعل بيوتها اثني عشر بيتأ بعدد الشهور، وجعل كلابها ثلائين كلبا بعدد أيام الشهر، وجعل الفصين مثلا للقدر، وتقلبه بأهل الدنيا، وأن الإنسان يلعب بها فيبلغ بإسعاد القحر إياه في مراده باللعب بها ما يريد، وأن الحازم الفطن لا يتأتى له ما تأتي لغيره، إلا إذا أسعده القدر، وأن الأرزاق والحظوظ في هذه الدنيا لا تنال إلا بالجدود.
زامان بعد الباهبود
ثم ملك زامان بعد الباهبود، فكان ملكه نحوا من خمسين ومائة سنة، ولزامان سيز وأخبار وحروب مع ملوك فارس وملوك الصين قد أتينا على الغررمنها فيما سلف من كتبنا.
ملك فر
ثم ملك فر، وهو الذي واقعه الإسكندر، فقتله الإسكندر مبارزة،وكان ملك فر إلى أن هلك أربعين ومائة سنة.
ملك دبشليم
صفحة ٢٨