ورفع الله ذكر داود، وأخمل ذكر طالوت، وأبى طالوت أن يفي لداود بما تقدم من شرطه، فلما رأى ميل الناس إليه زوجه ابنته، وسلم إليه !ثلث الجباية، وثلث الحكم، وثلث الناس. ثم حس!ه بعد ذلك وأراد اغتياله، فمنعه الله عزوجل من ذلك، فأبى داود أن ينافسه في ملكه، ونما أمر داود، فبات طالوت على سرير ملكه فمات من ليلته كمدا، وانقاذث بنوإسرائيل إلى داود عليه السلام، وكانت مدة ملك طالوت عشرين سنة، وذكر أن الموضع الذي قتل فيه جالوت كان ببيسان من أرض الغور من بلاد الأردن، وألانه الله عز وجل لداود الحديد فعمل منه الحروع، وسخر له الجبال والطير يسبحن معه، وحارب داود أهل مواب من أرض البلقاء وأنزل الله عز وجل عليه الزبور بالعبرانية خمسين ومائة سورة، وجعله ثلاثة أثلاث: فثلث ما يلقون من بخت نضر. وما يكون من أمره في المستقبل، وثلث ما يلقون من أهل أثور، وثلث موعظة وترغيب وتمجيد وترهيب، وليس فيه أمر ولا نهي ولا تحليل ولا تحريم، واستقامت الأمور لداود، ولحقت الخوارج من الكفار بأطراف الأرض لهيبة داود، وبنى داود بيتا للعبادة بأورشليم، وهو بيت المقدس، وهو البيت الباقي لوقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ويدعى بمحراب داود عليه السلام، وليس في بيت المقدس بناء هو أعلى منه في هذا الوقت، وقد يرى في أعلاه البحيرة المنتنة ونهر الأردن المقدم ذكره، وكان من أمر داود مع الخصمين ما قص الله عزوجل في كتابه من خبره، وقوله لأحدهما قبل استماعه من الاخر: " لقد ظلمك " الآية، وقذ تنازع الناس في خطيئة داود: فمنهم من رأى ما وصفنا ونفى عن الأنبياء المعاصي وتعمد الفسق وأنهم معصومون فكانت الخطيئة ما ذكرنا، وذلك قوله عز وجل: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق " ومنهم من رأى أن ذلك كان من قصة أروياء بن حيان ومقتله على ما ذكرنا في كتاب المبتدأ وغيره، وتاب الله عزوجل على داود بعد أربعين يوما كان فيها صائما باكيا، وتزوج داود عليه السلام مائة امرأة.
نشأة سليمان بن داود
ونشأ سليمان بن داود عليه السلام، وبرع، وداخل أباه في قضائه،فآتاه الله فصل الخطاب والحكم، على ما أخبر الله عزوجل عنهما بقوله: " وكلاآتينا حكماوعلما " ولما حضرت داود الوفاة أوصى إلى ولده سليمان، وقبض، فكان ملكه أربعين سنة على فلسطين والأردن، وكان عسكره ستين ألفا أصحاب سيوف جردا مردا أصحاب بأس ونجدة.
لقمان الحكيم
وكان ببلاد مدين وأيلة في عصر داود عليه السلام لقمان الحكيم،وهو لقمان بن عنقاء بن مربد بنم صاوون، وكان نوبيا مولى للقين بن جسر، ولد على عشر سنين من ملك داود عليه السلام، وكان عبدا صالحا فمن الله عزوجل عليه بالحكمة، ولم يزل باقيا في الأرض مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أبام يونس بن متى حين أرسل إلى أرض نينوى من بلاد الموصل.
ملك سليمان
ولما قبض الله داود عليه السلام قام بعده ولده سليمان بالنبوة والحكم، وغمر عدله رعيته، واستقامت له الأمور، وانقادت له الجيوش، وابتدأ سليمان ببنيان بيت المقدس، وهو المسجد الأقصى الذي بارك الله عزوجل حوله، فلما استتم بناءه بنى لنفسه بيتا، وهو الموضع الذي يسمىفي وقتنا هذا كنيسة القيأمة، وهي الكنيسة العظمى ببيت المقدس عند النصارى، ولهم كنائس غيرها معظمة ببيت المقدس، منها كنيسة صهيون، وقد ذكرها داود عليه السلام، والكنيسة المعروفة بالجسمانية ويزعمون أن فيها قبر داود عليه السلام، وأعطى الله عزوجل لسليمان عليه السلام من الملك ما لم يعطه لأحد من خلقه، وسخر له الجن والإنس والطيروالريح على. حسب ما ذكر الله عزوجل في كتابه، وكان ملك سليمان بن داود على بني إسرائيل أربعين سنة، وقبض وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والله ولي التوفيق.
ذكر ملك أرخبم بن سليمان بن داود عليهما السلأم ومن تلاه من ملوك بني إسرائيل، وجمل من أخبار الأنبياء
ملوك بني إسرائيل بعد وفاة سليمان
صفحة ١٨