مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودي ت. 346 هجري
148

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ولما علم الإسكندر بذلك اتخذ الطلسمات على أعمدة هناك تدعى المسال، وهي باقية إلى هذه الغاية، وكل واحد من هذه الأعمدة على هيئة السروة وطول كل واحد منها ثمانون ذراعا، على عمد من نحاس وجعل تحتها صورأ وأشكالا وكتابة، وذلك عند انخفاض درجة من درجات الفلك وقربها من هذا العالم، وعند أصحاب الطلسمات من المنجمين والفلكيين أنه إذا ارتفع من الفلك درجة وانخفض أخرى في مدة يذكرونها من السنين نحو ستمائة سنة نأتي في هذا العالم فعل الطلسمات النافعة المانعة والدافعة، وقد ذكر هذا جماعة من أصحاب الزيجات والنجوم وغيرهم من مصنفي الكتب في هذا المعنى، ولهم في ذلك سر من أسرار الفلك ليسى كتابنا هذا موضعا له، ولغيرهم ممن ذهب إلى أن ذلك للطف قوى الطبائع التام وغير ذلك مما قاله الناس، وما ذكرنا من عرج الفلك فموجود في كتب من تأخر من - علماء المنجمين والفلكيين، كأب معشر البلخي، والخوارزمي، ومحمد بن كثير الفرغاني، وما شاء الله، وحبش، واليزيدي، ومحمد بن جابر البتاني في زيجه الكبير، وثابت بن قرة، وغير هؤلاء ممن تكلم في علوم هيأت الفلك والنجوم.

منارة الإسكندرية

قاله المسعودي: فأما منارة الإسكندرية فذهب الأكثر من المصريين والاسكندرانيين - ممن عني بأخبار بلدهم - إلى أن الإسكندر بن فيلبس المقدوني هو الذي بناها على حسب ما قدمنا في بناء المدينة، ومنهم من رأى أن دلوكة الملكة هي التي بنتها، وجعلتها مرقبا لمن يرد من العدو إلى بلدهم، ومنهم من رأى أن العاشر من فراعنة مصر هو الذي بناها، وقد قدمنا ذكر هذا الملك فيما سلف من هذا الكتاب، ومنهم من رأى أن الذي بنى مدينة رومية هو الذي بنى مدينة الإسكندرية ومنارتها والأهرام بمصر، و - إنما أضيفت الإسكندرية إلى الإسكندر لشهرته بالاستيلاء على الأكثر من ممالك العالم فشهرت به، وذكروا في ذلك أخبارا كثيرة، يدلون بها على ما قالوا، والإسكندر لم يطرقه في هذا البحر عدو، ولا هاب ملكا يرد إليه في بلده ويغزوه في داره، فيكون هو الذي جعلها مرقبا، وإن الذي بناها جعلها على كرسي من الزجاج على هيئة السرطان في جوف البحر وعلى طرف اللسان الذي هو داخل في البحر من البر، وجعل على أعلاها تماثيل من النحاس وغيره، وفيها تمثال قد أشار بسبابته من يده اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك، وإذا علت في الفلك فإصبعه مشيرة نحوها فإذا انخفضت يده سفلا، يدور معها حيث دارت، ومنها تمثال يشير بيده إلى البحر إذا صار العدو منه على نحو من ليلة، فإذا دنا وجاز أن يرى بالبصر لقرب المسافة سمع لذلك التمثال صوت هائل يسمع من ميلين أو ثلاثة، فيعلم أهل المدينة أن العدو قد دنا منهم، فيرمقونه بأبصارهم، ومنها تمثال كلما مضى من الليل والنهار ساعة سمعوا له صوتا بخلاف ما صوت في الساعة التي قبلها، وصوته مطرب.

حيلة لهدم المنارة

صفحة ١٦٦