ولهذا تبقى الصورة عند النفس قنية وملكة، وتبطل عن الحس بطولًا، وتمحى محوًا، والحس تابع للطبيعة، والنفس متقبلة للعقل. وكانت الألفاظ على هذا التدريج والتنسيق من أمة الحس، والمعاني المقولة فيها من أمة العقل. فالاختلاف في الأول بالواجب، والاتفاق في الثاني بالواجب، وبالجملة الألفاظ وسائط بين الناطق والسامع، فكلما اختلفت مراتبها على عادة أهلها كان وشيها أروع وأجهر، والمعاني جواهر النفس. فكلما ائتلفت حقائقها على شهادة العقل كانت صورتها أنصع وأبهر، وإذا وفيت البحث حقه فإن اللفظ يجزل تارة ويتوسط تارة، بحسب الملابسة التي تحصل له من نور النفس وفيض العقل وشهادة الحق وبراعة النظم؛ وقد يتفق هذا لتعويل الإنسان بمزاجه الصحيح وطبيعته الجيدة واختياره المحمود، وقد يفوته هذا الوجه فيتلافاه بحسن الإقتداء بمن سبق بهذه المعاني إليه، فيكون إقتداؤه حافظًا عليه نسبة البيان على شكله المعجب، وصورته المعشوقة،؛ ومدار البيان على صحة التقسيم وتخير اللفظ وترتيب النظم وتقريب المراد، ومعرفة الوصل والفصل، وتوخي الزمان والمكان، ومجانبة العسف والاستكراه، وطلب العفو كيف كان.
المقابسة السابعة
في كتم السر وعلة ظهوره
قلت لأبي سليمان وقد جرى كلام في السر وطيه والبوح به ما السبب في أن السر لا ينكتم البتة؟ فقال: لأن السر إسم لأمر موجود قد ضرب دونه حجاب، وأغلق عليه باب، فعليه من الكتمان والطي والخفاء والستر مسحة من القدم،
1 / 145