لم تكن المائدة ذات ألوان مختلفة، وأطعمة مركبة، متباينة في القلة والكثرة والملوحة والحرافة، ومرقة المتقدمة، لم يقبل كل إنسان على ما يفيق به شهوته الخاصة لهن ولم تمتد يده إليه باللون الذي تدعو إليه العين، لأن للعين نوعًا من الطلب ليس للغم، وللنفس أيضًا مثل ذلك؛ أعني النفس المتغذية، فهذا غير ما هو مطلوب للنفس الناطقة من الترتيب والتكرمة والإيناس والمحادثة.
قال: فلما كان الناموس الآلهي نصحية عامة لدكانة، وجب أن يستعان عليها بكل ما يكون ردأً لها ورفدًا معها، وفارشًا لما انطوى فيها، وموضحًا لما خفى عنها، وداعيًا باللطف إليها، وضامنًا لحسن الجزاء عليها.
وهذا قدر كالخالصة مما وقع التفاوض به، سقته على ما أمكن والحمد لله وحده.
المقابسة الخامسة
في شرف الزمان والمكان وتفاوت الناس في الفضيلة
قلت لأبي بكر القومسي وكان كبيرًا في الأوائل: بأي معنى يكون هذا الزمان أشرف من هذا الزمان، وهذا المكان أفضل من هذا المكان، وهذا الإنسان أشرف من هذا الإنسان؟ فقال: هذا يشعر بإفاضة الزمان إلى سعادة شائعة، وعز غامر، وبركة فائضة، وخصب عام وشريعة مقبولة، وخيرات مفعولة، ومكارم مأثورة من جهة شكل الفلك بما تقتضيه بعض أدواره؛ وكذلك المكان إذا قابله أثر من هذه الأجرام الشريفة، والأعمال المنيفة. وأما الزمان الذي هو رسم الفلك بحركته الخاصة فليس فيه جزء أشرف من جزء، وكذلك المكان لأنه
1 / 143