٦٤- حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي قال: أخبرني أبو عمرو العدوي عثمان بن سليمان قال:
خرجت في نفر من هذيل من أهل البصرة نريد باديةً لهم في أمرٍ طرقهم، وكان مسيرنا إليها ثلاثًا، قال: فنزلنا في الليلة الأولى على حيٍ من بني مازنٍ، فقصدنا بيتًا رحبًا، فإذا ببابه رجلٌ وامرأةٌ وهما صاحبا البيت، فسلمنا فردت المرأة السلام وحيت وأظهرت بشرًا وبشاشةً، وأعرض الرجل وأظهر تبرمًا وتضجرا، فقالت لنا المرأة: انزلوا بالرحب والسعة فقال الرجل: ما عندنا موضعٌ لنزولكم، فقالت المرأة: سبحان الله تقول هذا لضيفانٍ قد حلوا بنا، ووجب حقهم علينا، انزلوا بارك الله فيكم، فظهر منا انقباضٌ ونفور لما سمعنا من بعلها، فقالت لا يحشمنكم ما سمعتم منها، فإن له فيما أبداه من ذلك عذرًا، وأمرت أتباعها فأحدقوا بنا، وأنزلونا، وانطلق بعلها كالحًا وجهه كالمغضب، فكثر منه ⦗١٣٨⦘ تعجبنا إذ ليس نعرف ذلك من أخلاق العرب، وبتنا ليلتنا خير مبيت، ما تركت المرأة كرامةً إلا أكرمتنا بها، وأصبحنا فأخذنا الطريق حتى أمسينا في حيٍ آخر، فقصدنا بيتًا آخر ضخمًا، فإذا ببابه رجلٌ وامرأةٌ، وهما صاحبا البيت، فسلمنا فرد الرجل السلام، وحيا وأظهر بشرًا وبشاشةً، وأعرضت المرأة وأظهرت تبرما بنا وكراهة لمكاننا، فقال لنا الرجل: انزلوا بالرحب والسعة، فقالت المرأة: وكيف تنزلهم وما عندنا ما يصلحهم؟!، فقال الرجل: سبحان الله تقولين هذا لضيفانٍ قد حلوا بنا ووجب حقهم علينا! انزلوا بارك الله فيكم، فإنا عندنا كل الذي يصلحكم، فظهر منا انقباضٌ شديدٌ لما سمعنا من زوجته فقال: لا يحشمنكم ما سمعتم من هذه الحرمة، فإن لها فيما أبدته من ذلك عذرًا، وأمر أتباعه فأحدقوا بنا فأنزلونا ودخلت المرأة البيت مغضبةً، فورد علينا من ذلك ما قدم وحدث، وأطلنا المناجاة فيما بيننا نعجب من الأول وزوجته، ومن هذا وزوجته ونقول: ما في جميع العرب لذلك البيت ولا لهذا البيت شبهٌ، ولو لم نفد في وجهنا هذا إلا ما شاهدناه من هذا الأمر لكان ذلك فائدة تؤثر وتذكر. قال: وصاحب البيت يتأملنا ويصغي إلينا ثم أقبل علينا فقال: من أين خرجتم؟ فقلنا: من البصرة. قال: ومتى فارقتموها؟ قلنا: غداة ⦗١٣٩⦘ أمس، قال: فبمن بتم البارحة؟ فقلنا: ببني فلان، فقال: وفي منزل من؟ فقلنا: في منزل رجل يقال له: فلان، قال: فإني رأيتكم تتحدثون بينكم حديثًا تكثرون منه التعجب فما ذاك؟ فقلنا: إذًا والله نخبرك أنه كان من الأمر كذا وكان كذا، فقال: قد ظننت ذاك، أفلا أخبركم بما هو أعجب مما تتعجبون منه؟ قلنا: بلى، قال: اعلموا حياكم الله أن تلك المرأة التي بتم بها أختي لأبي وأمي، وأن ذاك الرجل بعلها أخو زوجتي هذه لأبيها وأمها، والذي رأيتم من جماعتنا خلق جبلنا عليه لا تكلف فيه، فقلنا: الحمد لله الذي جبلك على أخلاق الكرماء من الرجال. قال: وما زال لنا صديقًا بعد ذلك.
قال الأصمعي: وما سمعت بمثل هذا الاتفاق في شيء من أخلاق العرب.
1 / 137