من العلم لما كان عويصا صعبا بُدِئ قبله بمعرفة النحو، ثم جيء به بعد؛ ليكون الارتياض في النحو موطئا للدخول فيه، ومعينا على معرفة أغراضه ومعانيه، وعلى تصرف الحال. فمن أمدّه الله بصفاء القريحة، وأيده بمضاء الخاطر والروية١، وواصل الدرس، وأجشم النفس، وهجر في العلم لَذَّاته، ووهب له أيام حياته؛ امتاز من الجمهور الأعظم، ولحق بالصدر المقدم، ولحظته العيون بالنفاسة، وأشارت إليه الأصابع بالرياسة، وكان موفقا لما يرفعه ويُعْليه، مسددا فيما يقصد له وينتحيه.
قيمة كتاب التصريف للمازني:
ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعت في تفسيره وبسطه من أنفَس كتب التصريف وأسدها وأرصنها، عريقا في الإيجاز والاختصار، عاريا من الحشو والإكثار، متخلصا من كَزَازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني، عُنيت بتفسير مشكله، وكشف غامضه، والزيادة في شرحه، محتسبا ذلك في جنب ثواب الله، ومزكيا به ما وهبه لي من العلم.
ما يجب على من يطلع على كتاب ذي قيمة:
وحقيق على من٢ نظر في كتاب قد عُني به واضعه٣، وانصرف إلى الاهتمام به مصنفه٣، فحظي منه بأقصى ما طلب، ووصل إلى غايته من كَثَب، أن يحمد الله على ما وهبه له من فهمه، وأن يسلم لصاحبه ما وفره الله عليه
_________
١ الروية: زيادة من ظ وش.
٢ ظ، ش: من قد نظر.
٣، ٣ ما بينهما في ظ، وش: وانصرف بالاهتمام به إليه مصنفه.
1 / 5