وتنظر إلى الكوكب، فتراه صغيرًا في مقدار دينار، ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار. هذا، وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس، بأحكامه ويكذبه حاكم العقل ويخونه تكذيبًا لا سبيل إلى مدافعته فقلت: قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضًا، فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من الأوليات، كقولنا: العشرة أكثر من الثلاثة والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء الواحد، والشيء الواحد لا يكون قديمًا، موجودًا معدومًا، واجبًا محالًا.
فقالت الحواس: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقًا بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكمًا آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالة!! فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلًا وأيدت إشكالها بالمنام، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أمورًا، وتتخيل أحوالًا، وتعتقد لها ثباتًا، واستقرارًا، ولا تشكل في تلك الحالة فيها، وثم تستيقظ فتعلم: أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل.
1 / 113