فيجب بهذا من قول الله أن يكون يغفر الشرك وغير الشرك، والقرآن يصدقه بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا. والذي قال أهل التفسير في تأويل قول الله عز وجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) يقول: لا يتجاوز عن شرك لقيه به عبده، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء، فقالوا :إنما دون الكبائر مغفور لأهله متروك لهم، إذا هم اجتنبوا الكبائر، فوقع الغفران على الصغائر التي يوجب عليها العقاب، وأكد ذلك بقوله: (إن تجتبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (¬1) فدل على أنهم إن اجتنبوا الكبائر كفرت عنهم سيئاتهم التي هي دون الكبائر، فإن لم يجتنبوها فلا، وقوله عز وجل: )لمن يشاء( فقد شاء أن يغفر لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر، ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا هو لقي الله بها، وقال عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) (¬2) يريد من ألم منهم بما دون الكبائر، فقال: (إن ربك واسع المغفرة) (¬3)
¬__________
(¬1) سورة النساء آية رقم 31، وقد جاءت الآية محرفة في المخطوطة حيث قال (يكفر) بدلا من (نكفر).
(¬2) سورة النجم آية رقم 32.
(¬3) سورة النجم آية رقم 32، واللمم: هي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه، وقد اختلف في معناها، فقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي: اللمم كل ما دون الزنى. وقال ابن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وحذيفة ومسروق: إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة. وقال ابن عباس: هو الرجل يلم بذنب، قال ألم تسمع النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يقول:
... إن يغفر الله يغفر جما ... ... ... وأي عبد لك لا ألما
ودليل هذا قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) سورة آل عمران آية رقم 135، ثم قال: (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم) سورة آل عمران آية 136. فضمن لهم المغفرة كما قال عقيب اللمم: (إن ربك واسع المغفرة) سورة النجم. راجع تفسير القرطبي 10709.
صفحة ١٢١