ويقال لهم: ما تقولون في الإقرار بموسى وعيسى _عليهما السلام_ بأنهما رسولا رب العالمين، والإقرار بغيرهما من المرسلين أنهم رسل الله، والإقرار بالبعث والثواب والعقاب، والملائكة والكتب والنبيين، أذلك كله من الإيمان أم ليس من الإيمان؟ فإن قالوا: ليس من الإيمان، قيل لهم: فيجب أن يكون المنكر لرسالة موسى وعيسى وغيرهما من المرسلين مؤمنا مع إنكاره لذلك، ومع إنكاره للبعث والثواب والعقاب، والملائكة والكتب والنبيين، وقد قال الله: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) (¬1) فسمى كل ذلك إيمانا، فإن قالوا: لا يكون مؤمنا مع إنكاره رسالة أحد من المرسلين، ولا مع إنكاره شيئا مما ذكرتم، قيل لهم: فنراكم قد أثبتم للإيمان خصائل كثيرة، فلم لا جوزتم لغيركم أن يجعل جميع ما أمر الله به من طاعته، وأوجب عليه ثوابه إيمانا؟ وقد قال الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (¬2) فسمى صلاتهم وزكاتهم دينا، وقال: (وما كان لله ليضيع إيمانكم) (¬3) أي صلاتكم نحو بيت المقدس؛ وذلك أن اليهود قالوا لهم: ما حال صلاتكم نحو بيت المقدس؟ وأنتم تزعمون أن من صلى إليها اليوم كافر؟ فأجابهم الله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) فسمى صلاتهم نحو بيت المقدس إيمانا، وقال عز وجل: (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) (¬4) أي يعملون بما في السورة من الفرائض فيزدادوا بذلك إيمانا، وقال: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) (¬5) ،
¬__________
(¬1) سورة النساء آية رقم 136.
(¬2) سورة البينة آية رقم 5.
(¬3) سورة البقرة آية رقم 143.
(¬4) سورة التوبة آية رقم 124.
(¬5) سورة الفتح آية رقم 4..
صفحة ١٠٢