المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه

برهان الدين بن مازه البخاري ت. 616 هجري
99

المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه

محقق

عبد الكريم سامي الجندي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٤ هجري

مكان النشر

بيروت

وعن أبي يوسف ﵀ قال: سألت أبا حنيفة ﵀ وابن أبي ليلى عن سؤر الهرة فكرهاه، وأما أنا فلا أدري به بأسًا، وهو قول الشافعي. حجة أبي يوسف والشافعي عليهما: أن رسول الله ﵇ «كان يصغي الإناء للهرة ويشرب ما بقي ويتوضأ منه»، وهو قوله ﵇: «الهرة ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات عليكم» صرح أن الهرة عينها ليست بنجسة، وإذا لم تكن عينها نجسة لا يكون سؤرها نجسًا. ولهما: قوله ﵇: «الهرة سبع» وقوله ﵇: «يغسل الإناء من ولوغ الهرة مرة»، واختلف المشايخ في علة المسألة فالمحكي عن الطحاوي أنه كان يقول: الهرة تشرب بلسانها، ولسانها رطب بلعابها، ولعابها متولد من عينها، وعينها نجس، فكذا لعابها، لقضية هذا (وجب) أن يكون سؤرها نجسًا لكن أسقطنا النجاسة ضرورة الطواف، وأثبتنا الكراهة لأن الضرورة ليست ماسَّة لا يمكن الاحتراز عنها. والمحكي عن الكرخي ﵀ أنه كان يقول: عين الهرة ليست بنجسة ولعابها ليس بنجس، وكيف تكون نجسة مع أن الشرع أسقط نجاستها، إلا أن عامة مأكولاتها نجس، فإنها تأكل الفأرة والجيف، وعلى هذا التقدير يصير فمها نجسًا، لكن هذا ليس بأمر متيقن حتى يحكم بنجاسة السؤر، ولكنه غالب، فأثبتنا الكراهة كما في يد الصبي، والمستيقظ من المنام. بعض مشايخنا قالوا: على قياس سؤر الهرة يجب أن يكون سؤر سواكن البيوت مكروهًا على الاختلاف، وبعضهم قالوا: سؤر سواكن البيوت مكروه بالاتفاق؛ لأن أبا يوسف ﵀ إنما لم يقل بالكراهة في سؤر الهرة بالنص، ولا نص في سؤر سواكن البيوت، والله تعالى أعلم. ومما يتصل بفصل الهرة إذا أكلت فأرة وشربت من إناء على فورها ذلك يتنجس الماء بلا خلاف، وإن مكثت ساعة أو ساعتين ثم شربت لا يتنجس الماء عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد: يتنجس. فأبو حنيفة ﵀ يقول: إذا مكثت ساعة أو ساعتين فقد غسلت فمها بلعابها، ولعابها طاهر، وإزالة النجاسة بما هو سوى الماء من المائعات عندي جائز، فشربت بعد ذلك وفمها طاهر. وأبو يوسف ﵀ يقول: النجاسة وإن كانت لا تزول عندي إلا بصب الماء عليه لكن في مثل هذا الموضع يحكم بالزوال بدون الصب للضرورة.

1 / 127