المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه
محقق
عبد الكريم سامي الجندي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الفقه الحنفي
وقيل: وأرادا بقولهما ماء جار ماء أُلْحق بالماء الجاري حكمًا لأجل الضرورة لأن التحرز عن وقوع النجاسة في البئر غير ممكن.
ثم ما يقع في البئر نوعان: نوع لا يفسد الماء، وهذا النوع في نفسه قسمان: قسم يستحب فيه نزح بعض الماء، وقسم لا يستحب فيه نزح شيء من الماء.
أما القسم الذي لا يستحب فيه نزح بعض الماء: الآدمي الطاهر، إذا دخل في البئر لطلب الدلو أو للتبرد وليس على أعضائه نجاسة وخرج منها حيًا وهذا جواب ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة ﵀ أنه ينزح عشرون دلوًا ويريد به بطريق الاستحباب لأن الماء يلاقي أعضاء الطهارة. وذلك يوجب استعمال الماء لو قصده، واعتبر هذا في إيجاب نزح أدنى ما ورد التقدير بنزحه، وذلك عشرون احتياطًا. وإن كان محدثًا ينزح أربعون لأن الحدث يزول به فصار حكمه أكثر من حكم المتطهر فضوعف في النزح فصار أربعين.
وكذلك سائر الجمادات الطاهرة كالخشب الطاهر والحجر الطاهر والمدر الطاهر وأشباهها لا يفسد الماء ولا يستحب نزح شيء منه. وكذلك كل حيوان طاهر السؤر، وما ينفصل عنه نحو الحمام وما أشبهه إذا وقع فيه وأُخرج حيًّا لا ينزح منه شيء.
وأما القسم الذي يستحب فيه نزح بعض الماء:
إذا وقع في البئر فأرة أو عصفور أو دجاجة أو سنور أو شاة وأخرجت منها حيّة لا ينجس الماء. ولا يجب نزح شيء منه، وهذا استحسان لأن هذه الحيوانات ما دامت حيّة فهي طاهرة. والقياس أن يتنجس البئر بوقوع واحد من هذه الحيوانات فيه وإن أخرج حيًا لأن سبيل هذه الحيوانات نجس فتحل النجاسة في الماء فيوجب تنجس الماء، لكن تركنا القياس لحديث رسول الله ﵇. وآثار الصحابة فإنهم لم يعتبروا نجاسة السبيل حتى يأمروا بنزح بعض ماء البئر بعد موت الفأرة ولو اعتبروا نجاسة السبيل لأمروا بنزح جميع الماء، ولكن مع هذا إن كان الواقع فأرة يستحب لهم أن ينزحوا عشرين دلوًا. وإن كان الواقع سنورًا أو دجاجة مخلاة يستحب لهم أن ينزحوا أربعين دلوًا؛ لأن سؤر هذه الحيوانات مكروه على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
والغالب أن الماء يصيب فم الواقع حتى لو تيقنا أن الماء لم يصب فم هذه الحيوانات لا ينزح شيء من الماء، فإن كانت الدجاجة غير مخلاة لا ينزح منها شيء. هذا الذي ذكرنا كلّه ظاهر الرواية.
وفي «النوادر» عن أبي يوسف ﵀ في مسألة الشاة روايتان. في رواية قال: لا ينزح منه شيء كما هو جواب ظاهر الرواية. وفي رواية قال: ينزح ماء البئر كلّه، وعلق لهذه الرواية فقال: لأن البول الذي يجري على فخذيها ورجليها فيها، فكان المراد من الرواية الأخرى ومن ظاهر الرواية: إذا لم يكن على فخذيها ورجليها بول.
وفي «القدوري»: الشاة التي تلطخ فخذها ببولها إذا وقعت في البئر قال أبو حنيفة ﵀: ينزح عشرون دلوًا لأن نجاسة بولها خفيفة توجب إظهار الحرمة في إيجاب
1 / 101