وذكر ابن أبي العوام الحافظ بسنده: أن مالك بن أنس قال يومًا وعنده أصحاب الحديث: "ما يأتينا من ناحية المشرق أحد فيه معنى"، وكان في الجماعة محمد بن الحسن، فوقعت عينه عليه فقال: إلا هذا الفتى. ا. هـ.
وأنت تعلم أنه أتاه ابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، وهو فضله بهذا اللفظ عليهم، وذكر بسنده: أن الشافعي قال: "ما رأيتُ أعلم بكتاب الله ﷿ من محمد بن الحسن كأنه عليه نزل".
تصانيف الإمام محمد بن الحسن:
لم يصل إلينا من أي عالم في طبقته كتب في الفقه قدر ما وصل إلينا من محمد بن الحسن، بل كتبه هي العماد للكتب المدونة في فقه المذاهب، فكم رأينا بين المحاميين الباحثين فضلًا عن قضاة الشرع الفقهاء من يرغب رغبة صادقة في نشر كتب محمد بن الحسن اعترافًا منهم بأن كتبه هي أسس الكتب المدونة في فقه المذاهب، ولا يخفى مبلغ استمداد الكتب المدونة في المذاهب من كتب محمد بن الحسن، فـ (الأسدية) التي هي أصل (المدونة في مذهب مالك) إنما أُلِّفَت تحت ضوء كتب محمد والشافعي، إنما ألف (قديمه) و(جديده) بعد أن تفقه على محمد وكتب كتبه وحفظ منها ما حفظ، وابن حنبل كان يجاوب في المسائل من كتب محمد، وهكذا من بعدهم من الفقهاء، فأكبر ما وصل إلينا من كتبه هو كتاب الأصل المعروف بـ (المبسوط)، وهو الذي يُقال عنه أن الشافعي كان حفظه، وألَّف (الأم) محاكاة الأصل، وأسلم حكيم من أهل الكتاب بسبب مطالعته قائلًا: "هذا كتاب محمدكم الأصغر، فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟) "، وهو في ستة مجلدات، كل مجلد منها نحو خمسمائة ورقة يرويه جماعة من أصحابه، مثل: أبي سليمان الجوزجاني، ومحمد بن سلمة التميمي، ومحمد بن سماعة، وأبو حفص الكبير أحمد بن حفص البخاري، وقد قدر الله سبحانه ذيوعًا عظيمًا لهذا الكتاب يحتوي على فروع تبلغ عشرات الألوف من المسائل في الحلال والحرام لا يسع الناس جهلها، وتوجد عدة نسخ كاملة منه في خزانات الأستانة، منها ما هو في ستة
1 / 21