196

الخلق دونه ، وعجزوا عن معارضته بمثله ، او مناقضته في شكله ثم صار المعاندون له : يقولون مرة : انه شعر ، لما رأوه منظوما ، ومرة : سحر ، لما رأوه معجوزا عنه ، غير مقدور عليه.

وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب ، وقرعا في النفوس ، يرهبهم ، ويحيرهم ، فلم يتمالكوا ان يعترفوا به نوعا من الاعتراف ، ولذلك قالوا : ان له لحلاوة ، وان عليه لطلاوة.

وكانوا مرة بجهلهم يقولون : ( أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) مع علمهم ان صاحبهم امي ، وليس بحضرته من يملي او يكتب ، في نحو ذلك من الامور التي اوجبها : العناد ، والجهل والعجز.

ثم قال. وقد قلت في اعجاز القرآن وجها ، ذهب عنه الناس : وهو صنيعه في القلوب ، وتأثيره في النفوس ، فانك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا ، اذا قرع السمع ، خلص له الى القلب من اللذة والحلاوة ، في حال ذوي الروعة والمهابة ، في حال آخر ، ما يخلص منه اليه.

قال تعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) وقال تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ).

وقال ابن سراقة فاختلف اهل العلم في وجه اعجاز القرآن ، فذكروا في ذلك وجوها كثيرة ، كلها حكمة وصواب ، وما بلغوا في وجوه اعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره.

فقال قوم : هو الايجاز مع البلاغة.

صفحة ١٩٨