إذا هتف الحمام على غصون ... جرت عبرات عيني بانسكاب
يذكِّرني الحمام صفىَّ نفسي ... جنابا، من عذيري من جناب
أردت ثواب ربِّك في فراقي ... وقربي كان أقرب للثَّواب
قالوا: وعاش عبَّاد بن شدّاد اليربوعيّ مائة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
يا بؤس للشَّيخ عبَّاد بن شدَّاد ... أضحى رهينة بيت بين أعواد
وتهزأ العرس منِّي إن رأت جسدي ... أحدب لم تبق منه غير أجلاد
فإن تريني صعيفا قاصرا عنقي ... فقد أكعكع عنِّي عدوة العادي
وقد أفئ بأثواب الرَّئيس وقد ... أغدو على سلهب للوحش صيَّاد
قالوا: وعاش همّام بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم مائة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
إنَّ القواني قد عجبن كثيرا ... ورأينني شيخا صحوت كبيرا
قصد الغواني أن أردن هوادتي ... حسب الكبير مجرَّبا مخبورا
إنِّي لأبذل للحليل إذا دنا ... مالي وأترك ماله موفورا
وإذا أردت ثواب ما أعطيته ... فكفى بذاك لنائل تكديرا
إنِّي امرؤ عفُّ الخلائق لا أره ... طرق السَّماحة يا أميم وعورا
قالوا: وعاش أسيِّد بن أوس التَّميميّ مائة وتسعين سنة، وقتل له ثلاثون ابنا في حرب كانت بينه وبين بني يشكر بن بكر بن وائل، فقال لمن بقي من ولده، وهو يوصيهم: " يا بنيّ، إني رأيت مطَّلعا تزايلت حجارته، وقد رأيته أملس ليس فيه صدع، ورأيت الدَّهر فلَّ الصُّخور، فليقترب بعضكم من بعض في المودّة، ولا تتَّكلوا على القرابة، فإن القريب من قرب نفسه، والأمور بدوات ".
قالوا: وانطلق أسيِّد بن أوس إلى الحارث بن الهبولة الغساني، كان أخا معاوية بن شريف لأمّه، أمُّهما ابنة رضا البارقيّ، يستمدّه في حرب بني الشَّقيقة، فلما قدم عليه قال " حمل " وهو رجل " يوثق في الشدّة بالقرابة وبصدق أهل الوفاء، إن خير السجيَّة ما لم يتكلّف، وخير الأعوان على النَّجل النساء " يعني بالنجل الأولاد "، ومن اتّخذ أداء الحقّ الحيطة فقد كمل " والحيطة غاية الحفظ " والعفو منتهى البرّ، ومنتهى اليرِّ الهوى، وبالصِّدق تمام المرؤة، وبالكذب يحسر الأنصار، وبالقرناء تعتبر الرجال، وأغنى الخصال عن المادّة العفاف، والعفو ترك العقوبة، وترك العقوبة يسلُّ السَّخيمة ".
وقال أسيِّد بن أوس في حجَّة الغدر، عام قاتلوا أبا كرب بن زيد بن حسان بن تبّع، فرجع إلى قومه بما أصاب، فقال " الزموا البرَّ يبرُّكم بنوكم، أخِّروا الغضب ودافعوا بالأيّام القروض، فإن الرفق أبلغ، وآخر الدواء الكيُّ، وخير الثواب الشكر، وخطل القول عورة، وبالمرسل يعتبر المرسل.
قالوا: وعاش الأُبيرد بن المعذَّر الرِّياحيّ مائة وعشرين سنة؛ وقال بعضهم، بل هو الأبيرد بن الحارث، من تيم الرّباب بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس ابن مضر.
وقال في ذلك:
ألا هزئت مودودة اليوم أن رأت ... شكير أعالي الرَّأس منِّي تلفَّعا
وأن شاب أصداغي ومَّم مفرقي ... مشيب وأمسى لون وجهي أسعفا
فقلت لها لا تهزئي من مجرِّب ... ترامت به الأيَّام حتَّى تسعسعا
فإنَّك لو صاحبتني لم تعتّبي ... ولم تجدي فينا لكفَّيك مصنعا
ليالي لوني واضح وذؤابتي ... غرابيب في رأس امرئٍ غير أنزعا
قالوا: وعاش عبيد بن الأبرص الأسديّ الشاعر من بني سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد مائتي سنة وعشرين سنة، ويقال، بل ثلاثمائة سنة.
وقال في ذلك:
ولتأتين بعدي قرون جمَّة ... ترعى مخارم أيكة ولدودا
فالشمس طالعة، وليل كاسف ... والنجم يجري أنحسًا وسعودا
حتَّى يقال لمن تعرَّق دهره ... يا ذا الزّمانة هل رأيت عبيدا
مائتي زمان كامل ونضيَّة ... عشرين عشت معمَّرا محمودا
أدركت أوَّل ملك نصر ناشئا ... وبناء شدَّاد وكان أبيدا
وطلبت ذا القرنين حتَّى فاتني ... ركضا وكدت بأن أرى داودا
1 / 24