يا نفس! كم بين خليل يرزأك ويحسدك ويحوجك ويفقرك ويحزنك ويفزعك ويعميك ويجهلك ويغشك ويكدرك! تتجهين للبصر فيعميك وتحاولين الرشاد فيطغيك. يفيدك المقتنيات الزائلة البائدة التى لا حقيقة لها، ويمنيك الأمانى الكاذبة الخسيسة التى لا وجود لها. فأنت يائسة أبدا محتاجة فقيرة خائفة حزينة ذليلة مسكينة مظلمة صدئه مستعبدة. كلما أسعفته زاد فقرا، وكلما طهرته ازداد نجاسة، وكلما صححته ازداد مرضا، وانتقاضا؛ تتوهمين دوام خلته وثباته وهو مسرع بجريانه إلى تركك والذهاب عنك. وحينئذ يذيقك غصص الفراق وتوهان العقل. وهذا كله يجرى عليك بضلالتك ونقصك وعماك وجهلك. وكم بين هذا الخليل يا نفس وبين خليل غيره تصحبينه: إن افتقرت أغناك، وإن ضللت هداك، وإن جهلت علمك، إن عميت بصرك. لن يلزمك منه مؤونة ولا كلفة ولا اهتمام ولا خدمة. وهو أبدا معك لا تذوقين لخلته انقطاعا، ولا لوجوده فقدا ولا فراقا. كلما دمت معه اكتسبت من شرفه شرفا، ومن نوره نورا، ومن حياته حياة، ومن علمه وبصيرته علما وبصيرة، ومن غناه وعزه غنى وعزا. يقنيك المقتنيات الدائمة الأبدية، ويفيض عليك بالصلات الموجودة الحقية فأنت معه رابحة غير خاسرة.
فتمثلى هذا الخليل يا نفس واقترنى به وانضافى إليه وبه اتحدى!
[chapter 8: 8] الفصل الثامن
يا نفس! إن من كان له حبيب ففقده، ثم وجد مع فقده إياه عوضا منه وبديلا — يوشك أن يسلاه وينساه، ولا سيما إذا كان الآتى أوفق وأحمد من الماضى. ومن فقد حبيبا ثم لم يجد منه عوضا يوشك أن يطول حزنه وتعظم حسرته. ومن السياسة يا نفس إن كان لك خليل أنت متحققة فقده وفراقه — أن ترتادى منه بديلا وعوضا وتلتمسى لك صباحا قرينا. ومن الواجب أن يكون المستأنف أوفق وأحمد من الماضى. فإن من فقد شيئا ثم وجد ما هو خير منه تحولت مصيبته نعمة، وحزنه فرحا وسرورا.
صفحة ٨٧