146

مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر¶ من حوادث الزمان

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

لمحمد بن أبي بكر الصديق ﵃، فأولد عبد الله من التي آخذ سالمًا، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد ولده القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة، وأمهاتهم بنات ملك الفرس المذكور. وحكى المبرد في كتاب الكامل أن رجلًا من قريش لم يسمه قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، فقال لي يومًا: من أخوالك؟ فقلت: امي فتاة وكأني نقصت من عينه فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر، فلما خرج من عنده قلت يا عم من هذا؟ قال سبحان الله أتجهل مثل هذا من قومك؟! هذا سالم بن عبد الله بن عمر. قلت: فمن أمه؟ قال: فتاة ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فجلس ثم نهض قلت يا عم من هذا؟ قال أتجهل من أهلك مثله؟ ما أعجب هذا هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قلت فمن أمه؟ قال فتاة. قال فأمهلت شيئًا حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسلم عليه ثم نهض فقلت: يا عم من هذا؟ قال هذا الذي لا يسع مسلمًا أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن أبي طالب، قلت: من أمه. قال فتاه قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت أني لأم ولد فما لي في هؤلاء أسوة، قال فجللت في عينه جدًا، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة، وفاقوا أهل المدينة فقهًا وورعًا فرغب الناس في السراري، وقيل إن أم زين العابدين يقال لها غزالة، وقيل سلامة من بلاد السند والله أعلم. وروي أن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له إنا نراك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها. وروي أيضًا أنه كان إذا توضأ اصفر لونه، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له ما لك؟ فقال ما تدرون بين يدي من أقوم؟ وكان إذا هاجت الريح سقط مغشيًا عليه وقع حريق في بيت هو فيه، وهو ساجد، وجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النار، فما رفع رأسه. فقيل له في ذلك فيما بعد: فقال ألهتني عنها النار الأخرى. وكان يقول: ان قومًا ما عبدوا الله ﷿ رهبة فتلك عبادة العبد، وآخرين عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرين عبدوه شكرًا فتلك عبادة الأحرار، وكان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد، كان يسقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ويأخذ في صلاته، ويقضي ما فاته من ورد النهار. وروي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين العابدين: ان كنت كما قلت

1 / 152