بسم الله الرحمن الرحيم
المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي
الحمد لله العزيز الحكيم، الرؤوف الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب السماوات والأرض وما بينهما، ورب العرش الكريم.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المخصوص بالاصطفاء والتكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولى الفضل الجسيم.
هذه أوراق ترجمت (1) فيها الشيخ الامام، شيخ، الاسلام، ولي الله تعالى:
محيي الدين، أبا زكريا النووي، رحمه الله ذكرت فيها بعض مناقبه الكريمة، وسميتها: المنهاج السوي، في ترجمة الامام النووي، فأقول:
هو الإمام أبو زكريا محيي الدين، يحيى بن شرف بن مري بضم الميم، وكسر الراء، كما رأيته مضبوطا بخطه - ان حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حرام - بكسر الحاء المهملة، وبالزاي المعجمة - الحزامي، النووي، ثم الدمشقي.
صفحة ٥١
محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إمام أهل عصره علما وعبارة، وسيد أوانه ورعا وسيادة، العلم الفرد، فدونه واسطة الدر والجوهر، السراج الوهاج فعنده يخفي الكوكب الأزهر، عابد العلماء وعالم العبادة، وزاهد المحققين ومحقق الزهاد. لم تسمع بعد التابعين بمثله أذن، ولم ما يدانيه عين، وجمع له في العلم والعبادة محكم النوعين. راقب الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفة عين عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعة في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطب عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فتشرفت به نواه، ولم يلف له من ناواه.
وإذا الفتى الله أخلص سره * فعليه منه رداء طيب يظهر وإذا الفتى جعل الاله مراده * فلذكره عرف ذكي ينشر أثنى عليه الموافق والمخالف وقبل، النائي والآلف، وشاع ثناؤه الحسن بين المذاهب، ونشرت له راية مجد تخفق في المشارق والمغارب من سلك منهاجه أيقن بروضة قطوفها دانية، ومن تتبع آثاره فهو مع الصالحين في رياض عيونها جارية ومن لزم أذكاره ومهذب أخلافه، فالخير فيه مجموع، ومن استقى من بحره ظفر بأروى وأصفى ينبوع، فيه ثبت الله أركان المذهب والقواعد، وبين مهمات وليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد وقال فيه الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته: أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، ما رأت الأعين أزهد منه في يقظة ولا منام، ولا عاينت أكثر اتباعا منه لطرق السالفين من أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، له التصانيف المفيدة، والمناقب الحميدة، والخصال التي جمعت طارف كل فضل وتليده، والورع الذي به خرب دنياه وجعل دينه معمورا، والزهد الذي كان به يحيا سيدا وحصورا، هذا إلى قدر في العلم لو أطل على المجرة لما ارتضى شربا في أعطانها، أو جاور الجوزاء لما استطاب مقاما في أوطانها، أو حل في دارة الشمس لأنف من مجاورة سلطانها، وطالما فاه بالحق لا تأخذه لومة لائم، ونادى بحضرة الأسود الضراغم، وصدع بدين الله تعالى مقال ذي سريرة، يخاف يوم تبلى السرائر، ونطلق معتصما بالباطن والظاهر، غير ملتفت إلى الملك الظاهر، وقبض على دينه والجمر
صفحة ٥٢
ملتهب، وصمم على مقاله والصارم للأرواح منتهب، لم يزل - رحمه الله، طول عمره على طريق أهل السنة الجماعة، مواظبا على الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة.
وقال ابن فضل الله في المسالك: شيخ الاسلام، وعلم الأولياء، قدوة الزهاد ورجل علم وعمل، ونجاح سؤل وأمل، وكامل مثله في الناس من كمل، وفق للعلم وسهل عليه، ويسر له ويسر إليه، من أهل بيت من نوى من كرام القرى، وكرامة أهل القرى، لهم بها بيت مضيف لا تخمد ناره، ودار قرى لا يخمل مناره، طلع من أمم سادات، وجمع لكرمهم عادات، وجمع لهممهم أطراف السعادات، ونبت فيهم نباتا حسنا، ونبغ ذكاء ولسنا، ونبغ ذكاء ولسنا، وأتى دمشق متلقيا للأخذ من علمائها متقللا من عيشها، حتى كاد يعف فلا يشرب من مائها، فنبه ذكره، ونهب مدى الآفاق شكره، وحلا اسمه، وذكر تصنيفه وعلمه. فلما توسد الملك الظاهر أمانيه وحدثته نفسه من الظلم بما كاد يأتي قواعده من مبانيه، وكتب له من الفقهاء، من كتب، وحمله من الظلم بما كاد يأتي قواعده من مبانيه ، وكتب له ن الفقهاء من كتب، وحمله سوء رأيه على بيع آخرته بشئ من الذهب ولم يبق سواه فلما حضر هابه، وألقى إليه الفتيا، فألقاها وقال لقد أفتوك بالباطل، ليس لك أخذتم معونة، حتى تنفد أموال بيت المال، وتعيد أنت ونساؤك ومماليكك وأمراؤك ما أخذتم زائد عن حقكم، وتردوا فواضل بيت المال إليه. وأغلظ له في القول، فلما خرج قال: فمن أين يأكل؟ قالوا مما يبعث إليه أبوه فقال: والله لقد هممت بقتله، فرأيت كأن أسدا فتحا فاه بيني وبينه، لو عرضت له لالتقمني ثم وقر له في صدره ما وقر، ومد له يد المسالمة يسأله وما افتقر.
ثم كانت سمعة النواوي التي شرفت وغربت، وبعدت وقربت، وعظم شأن تصانيفه، وبان البيان في مطاوي تآليفه، ثم هي اليوم محجة الفتوى، وعليها العمل، وما ثم سوى سببها الأقوى.
وقال تلميذه الشيخ علاء الدين بن العطار في ترجمة التي جمعها له: أوحد عصره، وفريد دهره. الصوام القوام، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، صاحب الأخلاق الرضية، والمحاسن النسبة، العالم الرباني المتفق على علمه
صفحة ٥٣
وإمامته وجلالته، وزهده، وورعه وعبادته، وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته له الكرامات الواضحة، والمؤثر نفسه وماله للمسلمين، والقائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين.
ولد في العشر الأوسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، بنوى قال ابن العطار: وذكر لي بعض الصالحين الكبار، أنه ولد وكتب من الصادقين، ونشأ بها وقرأ القرآن، فلما بلغ سبع سنين، وكانت ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
قال ولده: وكان نائما إلى جنبي، فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبت، ما هذا النور الذي قد ملا الدار؟ فاستيقظ أهله جميعا، ولم نر شيئا فعرفت أنها ليلة القدر.
ولما بلغ عشر سنين، وكان بنوي الشيخ وياسين ين يوسف المراكشي من أولياء الله تعالى، قرأه والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لاكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشغل بالبيع والشراء عن القرآن. قال الشيخ ياسين: فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيت به، وقلت له هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال أمنجم أنت؟ فقال لا، وإنما أنطقني الله بذلك فذكر ذلك الوالدة، فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام.
قال ابن العطار: قال الشيخ، فلما كان عمري تسع عشرة سنة، قدم بي والدي إلى دمشق سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير: قال: وحفظت التنبيه في أربعة أشهر ونصف وحفظت ربع المهذب في باقي السنة قال. ولما قرأت مدة اغتسل منها بالماء البارد، حتى تشقق ظهري قال: وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الامام البارد، حتى ظهري قال: وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الامام العالم، الزاهد الورع، أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان، المغربي الشافعي، ولازمته فأعجب بي لما رأى من اشتغال وملازمتي وعدم اختلاطي بالناس، وأجبني محبة شديدة، وجعلني أعيد الدرس في حلقته الأكثر الجماعة.
صفحة ٥٤
قال: فلما كانت سنة إحدى وخمسين، حججت مع والدي، وكانت وقفة الجمعة، وكانت رحلتنا من أول رجب، فأقمت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم نحو من شهر ونصف.
قال والده: ولما توجهنا للرحيل من نوى، أخذته الحمى، إلى يوم عرفة قال ولم يتأوه قط. فلما عدنا إلى نوى، ونزل إلى دمشق صب الله عليه العلم صبا فلم يزل يشتغل بالعلم، ويقتفي آثار أبي إبراهيم إسحاق في العبادة، من الصلاة وصيام الدهر والزهد والورع، فلما توفي شيخه ازداد اشتغاله بالعلم والعمل.
وحج مرة أخرى، قال ابن العطار. وقال لي شيخنا القاضي أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري، لو أدرك القشيري صاحب الرسالة شيخكم وشيخه، لما قدم عليهما في ذكره لمشائخها أحدا، لما جمع فيهما من العلم والعمل، والزهد الورع، والنطق بالحكمة، وغير ذلك.
قال: وذكر لي الشيخ قال: كنت أقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا، درسين في الوسيط ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جنى، ودرسا في إصلاح المنطلق لابن السكيت في اللغة ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين.
وقال: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح، عبارة، وضبط لغة. قال: وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه و.. قال وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت القانون وعزمت على الاشتغال بشئ، ففكرت في أمري، ومن أين علي الداخل فألهمني الله تعالى الاشتغال بشئ، ففكرت في أمري، ومن أين دخل على الداخل فألهمني الله تعالى أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بالطب، فاستنار قلبي، ورجع إلى حالي، وعدت إلى ما كنت عليه أولا.
قال: وكنت مريضا بالمدرسة الرواحية، فبينما، أنا في بعض الليالي، في الصفة الشرقية منها، ووالدي وإخوتي وجماعة من أقاربي نائمون إلى جنبي، إذ نشطني الله تعالى وعافاني من الحمى، فاشتاقت نفسي، إلى الذكر، فجعلت أسبح، فبينا أنا كذلك بين الجهر والاسرار، إذا شيخ حسن الصورة جميل المنظر، يتوضأ على حافة
صفحة ٥٥
البركة وقت نصف الليل أو قريب منه، فلما فرغ من وضوئه أتاني وقال لي يا ولدي، لا تذكر الله تعالى تشوش على والدك وأخوتك وأهلك ومن في هذه المدرسة، فقلت: يا شيخ، من أنت؟ فقال، أنا ناصح لك، ودعني أكون من كنت، فوقع بالتسبيح، فأعرض عني ومشى إلى ناحية باب المدرسة، فأنبهت والدي والجماعة على صوتي فقمت إلى باب المدرسة فوجدته مقفلا، وفتشتها فلم أجد فيها أحد غير من كان فيها، فقال لي ولدي: يا يحيى، ما خبرك؟ فأخبرته الخبر، فجعلوا يتعجبون، وقعدنا كلنا نسبح ونذكر.
قال ابن العطار: نقلت من خط الشيخ - رحمه الله - أنه قرأ على:
* القاضي أبي الفتح عمر بن بندار التفليسي * القاضي أبي الفتح عمر بن بندار التفليسي المنتخب للرازي، وقطعة من المستصفى وغير ذلك.
* وعلى فخر المالكي اللمع لابن جني.
* وعلى أبي العباس أحمد بن سالم المصري، النحوي إصلاح المنطق في اللغة، بحثا، وكتابا في التصريف قال: وكان عليه درس، اما في سيبويه أو غيره - الشك مني.
* وعلى الامام جمال الدين بن مالك، كتابا من تصانيفه، وعلق عليه أشياء كثيرة.
* وعلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي صحيح مسلم شرحا، ومعظم البخار 0، وقطعة من الجمع بين الصحيحين للحميدي.
* وقرأ على جماعة من أصحاب ابن الصلاح علوم الحديث له.
* وعلى أبي البقاء خالدين يوسف النابلسي الكمال في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني وعلق عليه حواشي، وضبط عنه أشياء حسنة.
* وأخذ النفقة عن شيخة إسحاق المغربي، وكان يتأدى معه كثيرا، ويملأ الإبريق ويحمله معه إلى الطهارة.
* أخذ عن اكمال سلار بن الحسن الأربلي.
صفحة ٥٦
* وعن الامام عبد الرحمن بن نوح المقدس.
* وأبي حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الربعي الأربلي، * وإسماعيل بن عبد الدائم.
* وخالد النابلسي.
* وعبد العزيز بن محمد بن عبد الحسن الأنصاري.
* والضياء ابن تمام الحنفي.
* والحافظ أبي الفضل البكري.
* وأبي الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد، خطيب دمشق.
* وعبد الرحمن بن سالم الأنباري.
* وأبي زكريا يحيى بن أبي الفتح الصيرفي.
* إبراهيم بن علي الواسطي: وغيرهم.
ومن مسموعاته. الكتب الستة، والموطأ، ومسانيد. الشافعي: وأحمد، والدارمي، وأبي عوانة، وأبي يعلى وسنن الدارقطني، والبيهقي، وشرح السنة للبغوي، وتفسيره، والأنساب للزبيري، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم والليلية لابن السني، وأدب السامع والراوي للخطيب، وغير ذلك.
وسمع منه خلق من العلماء الحفاظ، والصدور الرؤساء، وتخرج به خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه وفتاويه في الآفاق وانتفع الناس في سائر البلاد الاسلامية بتصانيفه، وأكبوا على تحصيلها.
قال ابن العطار: وذكر لي أنه كان لا يضيع وقتا ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه، يشتغل في تكرار ومطالعة، أنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست، سنين، ثم اشتغل بالتصنيف والاشتغال والإفادة، والمناصحة للمسلمين وولاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة النفسية والعمل بدقائق الفقه والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء وإن
صفحة ٥٧
كان بعيدا، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطوة بع الخطوة.
وكان محققا في علمه وفنونه مدققا، حافظا لحديث رسوله الله صلى الله عليه وسلم، عارفا بأنواعه كلها، وغريبه، ومعانيه، واستنباط فقهه، حافظا، الشافعي وقواعد، وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، سالكا طريق السلف، قد صرف أقاته كلها في الخير، فبعضها للتأليف وبعضها للتعليم وبعضها للصلاة، وبعضها للتدبير وبعضها للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال الكمال الأدفوي في البدر السافر ونوزع مرة في النقل عن الوسيط فقال:
أتنازعوني وقد طالعته أربعمائة مرة؟ قال: وواقف الملك الظاهر بيبرس لما ورد دمشق في أمور، فظن أنه من أصحاب الوظائف يعزله فذكر له حاله فقال: وكان بعد ذلك يقول إني أفزع منه.
قال ابن العطار: وذكر أبو عبد الله بن أبي الفتح البعلي: الحنبلي، العلامة، قال كنت ليلة في جامع دمشق الشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردد قوله تعالى: وقفوهم انهم مسؤولون مرارا. بحزن وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك ما الله به عليم.
وكان إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام، وذكر مناقبهم.
قال: وأخبرني الشيخ القدرة المسلك، ولي الدين أبو الحسن، المقيم بجامع بيت لهيا، قال مرضت بالنقرس في رجلي فعادني الشيخ محيي الدين، فلما جلس، عندي، جعل يتكلم في الصبر، فكلما تكلم جعل الألم يذهب قيلا، حتى زال، فعرفت أنه من بركته.
وكان لا يدخل الحمام، ولا يأكل في اليوم والليلة إلا أكله واحدة بعد العشاء، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولا يشرب المبرد، أي الملقى فيه الثلج ولم يتروج.
صفحة ٥٨
قال ابن العطار: وأخبرني العلامة رشيد الدين الحنفي، قال عذلت الشيخ في تضييق عيشة، وقلت له أخشى عليك مرضا يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده، فقال: إن فلانا صام وعبد الله حتى عظمه قال: فعرفت أنه ليس له غرض في المقام في هذه الدار، ولا يلتفت إلى ما نحن فيه.
قال: ورأيت رجلا من أصحاب قشر خيارة ليطعمه إياها، فامتنع من أكلها وقال أخشى ان ترطب جسمي وتجلب النوم قال الأدفوي في البدر السافر: حكى لي قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، أنه سأله عن نومه فقال، إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة أنتبه.
قال: وحكى لي أيضا أنه كان إذا أتى إليه ليزوره يضع بعض الكتب على بعض، ليوسع له موضعا يجلس فيه قال: وكان لا يجمع بين أدمين، ولا يأكل اللحم إلا عندما يتوجه إلى نوى.
قال: وحكى عنه قاضي القضاة جمال الدين الزرعي: أنه كان يتردد إليه وهو شاب قال: فجئت إليه في يوم عبد، فوجدته يأكل حريرة مدخنة فقال سليمان.
كل، فلم يطلب له، فقام أخوه وتوجه إلى السوق واحضر شويا، وحلوى، وقال له:
كل فلم يأكل، فقال: يا أخي أهذا حرام؟ فقال: لا، ولكنه طعام الجبابرة.
قال ابن العطار: وكان لا يأكل فاكهة دمشق، فسألته عن ذلك فقال: دمشق الغبطة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف بين العلماء، وفيها خلاف بين العلماء، ومن جوزها شرط الغبطة، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟
قال: وقال لي الشيخ العارف المحقق، أبو عبد الرحيم محمد الأخميمي:
كان الشيخ محيي الدين سالكا منهاج الصحابة ولا أعلم أحدا في عصرنا سالكا منها جهم غيره.
قال: وكتب شيخنا أبو عبد الله محمد بن الأربلي، الحنفي، شيخ الأدب في وقته تصحيح التنبيه، ليكون له عنه رواية، فلما فرع من قال لي ما وصل
صفحة ٥٩
ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ من الفقه والحديث واللغة وعذوبة الفظ والعبارة وقال الأسنوي: كان يلبس ثوبا قطنا وعمامة سختيانية، وكان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار، في حال البحث وغيره.
قال الشيخ تقي السبكي، ما اجتمع بعد التابعين المجموع الذي اجتمع في النووي ورأيت في مجموع بخط الشيخ شمس الدين العيزري الشافعي، أو بواب الرواحية حكى قال: خرج الشيخ في الليل فتبعته، فانفتح له الباب من غير مفتاح، فخرج، مشيت معه خطوات، فإذا نحن مكة، فأحرم الشيخ وطاف وسعى ثم طاف إلى أثناه الليل، ورجع، فمشيت خلفه، فإذا نحن بالرواحية.
قال الذهبي: تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد موت أبي شامة، سنة خمس وستين، وفي البلد من هو أسن منه وأعلى سندا، فلم يأخذ من معلومها شيئا إلى أن مات.
قال ابن العطار: وأقرأ بها بحثا وشرحا. صحيح البخاري، ومسلم، وقطعة من أبي داود، ورسالة القشيري وصفوة، والحجة على تارك المحجة لنصر المقدسي، وغير ذلك.
قال: وذكر لي تلميذه أبو العباس بن فرج قال: كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص لشدت إليه آباط الإبل من أقطار الأرض. المرتبة الأولى: العلم والقيام بوظائفه، الثانية: الزهد في الدنيا.
الثالثة: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال: وأخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم المزي - وكان من الاخبار - أن رأى في النوم بالمزة رايات كثيرة، وطبلا يضرب قال فقلت: ما هذا؟ فقيل لي: الليلة قطب يحيى النووي، فاستيقظت من منامي، ولم أكن أعرف الشيخ ولا سمعت به قيل ذلك، فدخلت دمشق، في حاجة، فذكرت ذلك لشخص فقال: هو شيخ دار الحديث، وهو الآن جالس فيها، فدخلتها، فلما وقع بصره علي نهض إلى جهتي، الحديث، وهو الآن جالس فيها، فدخلتها، فلما وقع بصره علي نهض إلى جهتي، وقال: اكتم ما معك ولا تحدث به أحدا، ثم رجع إلى موضعه.
صفحة ٦٠
ورأيت في الدار الكامنة لشيخ الاسلام، حافظ العصر أبي الفضل، بن حجر، قال الشيخ، محيي الدين لتلميذه الشيخ الدين بن النقيب. يا شيخ شمس الدين، لا بد أن تلي الشامية البرانية، فما مات حتى وليها.
ورأيت فيها عن بعضهم قال، توجهت لزيارة الشيخ فرج الصفدي الزاهد، فجرت مسألة النظر إلى الأمرد، وأن الرافعي حرمه بشرط الشهوة، والنووي يقول:
يحرم مطلقا، فقال الشيخ فرج، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: الحق في هذه المسألة مع النووي.
وكان الشيخ محيي الدين إذا جاءه أمرد ليقرأ عليه، امتنع، وبعث به إلى الشيخ أمين الدين الحلبي، لعلمه بدينه وصيانته.
وقال الشيخ تاج الدين السبكي، في الترشيح: وافق الوالد مرة وهو راكب على بغلته شيخا عاميا ماشيا، فتحادثا، فوقع في كلام ذلك الشيخ أنه رأى النووي ففي الحال نزل عن بغلته وقبل يد ذلك الشيخ العامي، وسأله الدعاء، وقال له: اركب خلفي فلا اركب وعين رأت وجه النووي تمشي بين يدي.
قال وكان الوالد سكن دار الحديث الأشرفية، وكان يخرج في الليل يتهجد، ويمرغ خديه على الأرض فوق البساط الذي يقال: إنه من زمن الواقف، ويقال إن النووي كان يدرس عليه، وينشد:
وفي دار الحديث لطيف معنى * على بسط لها أصبو وآوي عسى اني أمس بحر وجهي * مكانا مسه قدم النواوي
صفحة ٦١
* والعلامة رشيد الدين الحنفي.
* والمحدث أبو العباس الإشبيلي. وخلائق غيرهم.
قال الشيخ الدين - رحمه الله - لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه، تصنيفا ينتفع به النظار فيه، فجعل تصنيفه تحصيلا، وتحصيله تصنيفا، وهو غرض صحيح جميل، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر له. وأما الرافعي فإنه سلك الطريقة العالية، فلم يتصد للتأليف إلا بعد كمال انتهائه، وكذا ابن الرفعة، رحمة الله عليهم أجمعين، ونفعنا بهم.
وقال الشيخ جمال الدين الأسنوي في أوائل المهمات: اعلم أن الشيخ محيي الدين - رحمه الله - لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه، تصنيفا ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلا، وتحصيله تصنيفا، وهو غرض صحيح، وقصد جميل، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر له وأما الرافعي فإنه سلك الطريقة العالية، فلم يتصد للتأليف إلا بعد كمال انتهائه، انتهائه، وكذا ابن الرفعة، رحمة الله عليهم أجمعين، ونفعنا بهم، وقال الأذرعي في أول التوسط والفتح بلغني أن الشيخ محيي الدين كان يكتب إلى أن يعي فيضع القلم يستريح وينشد:
تشوقت ليلى حين فارقت أرضها * فقلت، وعيني عند ذلك تدمع لئن كان هذا الدمع يجري صبابة * على غير سعدى، فهو دمع مضيع وذكر ابن العطار في تأليف له في الشعر: أن الشيخ لم ينظم شعرا قط، فمن تصانيفه:
الروضة: مختصر الشرح الكبير للرافعي، وهو بخطه، في أربع مجلدات ضخمات، مائة كراس، وتقع غالبا في ستة مجلدات وثمانية لا ورأيت بخطه فيها أنه ابتداء في تأليفها يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وستمائة، وختمها يوم الأحد خامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وستمائة، وختمها يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول سنة تسع وستين هي عمدة المذهب الآن، وفيها يقول الأسنوي، في المهمات: وكانت أنفس ما تأثر من تصانيفه ببركات أنفاسه، وثمرة من ثمرات غراسه، غرس فيها أحكام الشرع ولقحها، وضم إليها فروعا كانت منتشرة فهذبها ونقحها، فلذلك حلا ينبوعها، وبسقت فروعها، وطابت أصولها، ودنت قطوفها، إلى أن قال: وتلك منقبة قد أطاب الله ذكرها وسناها، وموهبة قد رفها سمكها وبناها، ومن أسر سريرة حسنة، ألبسه الله رداها.
وفي الجواهر: فإن الروضة لما جمعت أشتات المذهب، وقطت أسباب غلق
صفحة ٦٢
المطلب لاشتمالها على أحكام الشرح واختصاصها بزيادات يحجم عنها الكثير، وردت من قبول الكافة موردا لا صدر منه لبعض، وعقدت لوقوفهم عند حكمها موثقا فلن تبرح الأرض، فلذلك تمسكوا بفروعها وأغصانها، وتعلقوا بأصولها وأقيالها، حتى صارت منزل قاصد هم، ومنهل واردهم وقد استدرك فيها على الامام الرافعي في التصحيح مواضع جمة، وزاد عليه مسائل وقيودا وشروطا، وقد أفرد بعضهم زياداتها في مجلدين لطيفين.
وقد ذكر الأذرعي في التوسط أنه هم قبل موته بغسلها، فقيل له سارت بها الركبان، فقال: في نفسي منها أشياء وقد أكثر الناس من الكتابة عليها، والكلام على مواضع وتصحيحات فيها ظاهرها التناقض، ومواضع فيها مخالفة لما في الشرح كالأسنوي، والأذرعي، والبلقيني، والزركشي، وغيرهم.
وقد ذكر أن سبب ما وقع مخالفا للشرح. أنه اختصرها من نسخة منه سقيمة، مع أنه بحمد الله أجيب عن كثير مما زيفوه وجمع بين غالب ما زعموا تناقضه . وقد شرعت في تلخيص أحكامها من غير ذكر الخلاف، وضممت إليها زيادات شرح المهذب وبقية تصانيفه من بعده، كابن الرفعة، والسبكي، والأسنوي، ووصلت فيه الآن إلى... أعان الله على إتمامه.
ومنها شرح صحيح مسلم، سماه - ب المنهاج قريب من حجم الروضة.
وشرح المهذب، سماه ب المجموع وقد وصل فيه - قال ابن العطار - إلى باب المصراة، وقال الأسنوي: إلى أثناء الربا وهو قدر الروضة مرة ونصف أو هو أكثر، وقد ذكر في خطبة: أنه كتب قبل ذلك شرحا مبسوطا جدا وصل فيه إلى أثناء الحيض، في ثلاث مجلدات ضخمات، ثم رأى أن ذلك يكون سبب قلة الانتفاع في الخطبة إلا هذا الشرح.
قال الأسنوي: وهذا الشرح من أجل كتبه وأنفسها، وكلامه فيه يدل على أنه اطلع على أنه يموت قبل إتمامه، فإنه يجمع النظائر في موضع ويقول فعلنا ذلك فلعلنا لا نصل إلى محله.
وقال ابن العطار. كتب لي ورقة فيها أسماء الكتب التي كان يجمعه منها،
صفحة ٦٣
وقال إذا انتقلت إلى الله فأتمه من هذه الكتب وقد شرع في تكميله جماعة ولم ينهوه، فكتب الشيخ تقي الدين السبكي من الموضوع الذي انتهى إليه إلي أثناء التفليس، وفي خطبة تكملته يقول واصفا هذا الشرح: وبعد: فقد رغب إلي بعض الأصحاب في أن أكمل شرح المذهب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد، إلي بعض الأصحاب في أن أكمل شرح المذهب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد، وقدوة العباد، واحد عصره، وفريد رهره، محيي علوم الأولين، ومهذب سنن الصالحين، أبي زكريا النووي وطالب رغبة إلى، وكثر إلحاحه علي، أنا في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى، واستهون الخطب فرآه شيئا أمرا، وهو في ذلك لا يقبل عذرا وأقول: قد يكون في تعرضي لذلك مع قصوري عن مقام هذا الشارح إساءة إليه، وجناية مني عليه، فأنى لي أن أنهض بها نهض به وقد أسعف بالتأييد، وساعدته المقادير فقربت منه كل بعيد؟ ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء:
فراغ البال، واتساع الزمان، وقد كان - رحمه الله - قد أوتي من ذلك الحظ الأوفر، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من نفس ولا أهل.
الثاني: جمع الكتب التي استعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله قد حصل له من ذلك وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.
الثالث: حسن النية، وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.
فمن يكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أني يضاهيه، أو يدانيه من ليس من واحدة منها، فنسأل الله أن يحسن نياتنا وأن يمدنا بمعونته وعونه، وقد نفسي لعل ببركة صاحبه ونيته يعينني الله، انه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن من الله تعالى بإكماله، فلا شك من فضل الله ببركة صاحبه ونيته، إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان، انتهى.
ومنها المنهاج مختصر المحرر. مجلد لطيف.
ودقائقه، نحو ثلاث كراريس، ورأيت، بخطه أنه فرع منه تاسع عشر شهر
صفحة ٦٤
رمضان سنة تسع وستين وهو الآن عمدة الطالبين والمدرسين والمفتين.
قال ابن العطار: وقال لي العلامة جمال الدين ابن مالك: والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لحفظته. وأثنى على حسن اختصاره، وعذوبة ألفاظه.
قال: ووقف عليه في حياته العلامة رشيد الدين الفارقي، شيخ الأدب فامتدحه بأبيات وقف عليها الشيخ وهي هذه:
اعتنى بالفضل يحيى فاغتنى * عن بسيط بوجيز نافع وتحلى بتقاه فضله * فتحلى بالطيف جامع ناصيا أعلام علم، جازما * بمقال، رافعا للرافعي فكأن ابن الصلاح حاضر * وكأن ما غاب عنا الشافعي وقال فيه الشيخ جمال الدين الأسنوي:
يا ناهجا منهاج حبر ناسك * دقت دقائق فكره وحقائقه بادر ل محي الدين فيما رمته * يا حبذا منهاجه ودقائقه وينسب للشيخ تقي الدين السبكي:
ما صنف العلماء كالمنهاج * في شرعة سلفت، ولا منهاج فاجهد على تحصيله متيقنا * أن الكفاية فيه للمحتاج ولبعضهم:
الشيخ محيي الدين هو القطب الذي * طلعت شموس العلم من أبراجه لا يرتقي أحد إلى شرف العلا * إلا فتى يمشي على منهاجه وقلت أنا:
للناس سبل في الهداية والهوى * ما بين اصباح وليل داج فإذا أردت سلوك سبل المصطفى * حقا، فلا تعدل عن المنهاج قلت: ومن جلالة هذا الكتاب، أن الشيخ تاج الدين الفركاح، كتب عليه تصحيحا، وهو في مرتبة، شيوخ الشيخ محيي الدين، فإنه لما جاء إلى دمشق، واحضر إليه ليقرأ عليه، فبعث به إلى الرواحية، وأيضا فإنه كان بينهما أخيرا مقاطعة، كما ذكر ذلك الصفدي في تذكرته، وأنه لما توفي الشيخ
صفحة ٦٥
محيي الدين، لم يحضر الشيخ تاج الدين الصلاة عليه.
ومن العجب أن الشيخ علاء الدين الباجي شيخ السبكي اختصر المحرر، وسماه: التحرير، ومولده سنة مولد محيي الدين. وانظر ما بين المختصرين شهرة واعتمادا.
وقد كنت في أول اشتغالي رأيت الشيخ في النوم، وكأني حضرت درسه، فقلت له في شأن المنهاج والاعتراضات التي أوردت عليه، فأخذ يصلح العبارة، إلى أن خرج عن هيئته، فقلت له: يا سيدي، اجعل هذا كتابا على حدة غير المنهاج لأنه شرح وحفظ على تلك الهيئة، ثم إنه ركب حمارا عاليا، ومشيت خلفه مسافة يسيرة، فأعطاني عمامته، وفارقته، فانتبهت.
ورأيته مرة أخرى فأنشدني:
من شاحح العالم في كلامه ليذهبن رونق انتظامه فاستيقظت وأنا أحفظه:
ومنها: تهذيب الأسماء واللغات مجلدان ضخمان، ويقع غالبا في أربعة قال الأسنوي: وقد مات عنه مسودة، وبيضه الحافظ جمال الدين، المزي. وفي هذا شئ، فقد وقفت على المجلد الأول بخطه مبيضا بالخزانة المحمودية، لكن فيه بياضات يسيرة.
ورياض الصالحين مجلد.
والأفكار مجلد.
ونكت التنبيه، مجلد، وتسمى: التعليقة، وقال الأسنوي:
وهي من أوائل ما صنف، ولا ينبغي الاعتماد على ما فيها من التصحيحات المخالفة لكتبه المشهورة، ولعله جمعها من كلام شيوخه. وما استفدته منها في قص الأظفار، أنه يسن البداءة بمسبحة اليد اليمنى، ثم بالوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر ثم خنصر أليس ولاء الابهام، ثم يختم بإبهام اليمنى.
وفي الرجل يبدأ بخنصر اليمنى، ويختم بخنصر اليسرى ولاء، وذكر لذلك حديثا ومعنى لطيفا ذكرته في دقائق مختصر الروضة.
صفحة ٦٦
ولايضاح مناسك الحج، مجلد الطيف.
والايجاز فيه.
والمناسك الثالث والرابع والخامس.
والتبيان في أدب حملة القرآن، مجلد ومختصره.
وشرح التنبيه مطول، سماه تحفة الطالب النبيه، وصل فيه إلى أثناه الصلاة.
وشرح الوسيط، المسمى ب التنقيح قال الأسنوي: وصل فيه إلى شروط الصلاة. قال: وهو كتاب جليل، من أواخر ما صنف، جعله مشتملا على أنواع متعلقة به ضرورية، كافية لمن يريد كثرة المسائل المأخوذة والمرور على الفقه كله في زمن قليل، لتصحيح مسائله، وتوضيح أدلته، وذكر غير ذلك من الأنواع التي أكثر منها ولم يتعرض فيه لفروع الوسيط، قال وهي طريقة يتيسر معها اقراء الوسيط في كل عام مرة.
ونكت على الوسيط، في نحو مجلدين.
والتحقيق، وصل فيه إلى صلاة المسافر، ذكر فيه غالب ما في شرح المهذب ما الاحكام والخلاف، على سبيل الاختصار.
ومهمات الاحكام، قال الأسنوي: وهو قريب من التحقيق من كثرة الاحكام إلا أنه لم يذكر فيه خلافا، وقد وصل فيه إلى اثنا طهارة الثوب والبدن.
وشرح البخاري، كتب منه مجلدة.
والعمدة في تصحيح التنبيه.
والتحرير في لغات التنبيه.
ونكت المهذب.
ومختصر التذنيب للرافعي، سماه المنتخب قال الأسنوي: وقد أسقط من آخر الفصل السادس أوراقا، فلم يختصرها، ومن هنا تعلم أن قول من قال: إن الشيخ محيي وقف على النووي، نعم قول من الرافعي ذكره في خطبة التذنيب، وقد وقف عليه النووي: نعم، من قال يقف عليه ممكن.
ودقائق الروضة. كتب منها إلى أثناه الاذان.
صفحة ٦٧
وطبقات الشافعية، مجلد، قال الأسنوي: ومات عنها مسودة، فبيضها المزي.
ومختصر الترمذي، مجلد وقفت عليه بخطه مسودة، وبيض منه أوراقا.
وقسمه الغنائم، ومختصره، قال الأسنوي: وهذا الكتاب من أواخر ما صنف، وهو مشتمل على نفائس.
وجزء في القيام لأهل الفضل. قال الأسنوي: وهما من أواخر تصانيفه وأمتعها.
ومختصر تأليف الدارمي في المحيرة.
ومختصر تصنيف أبي شامة في البسملة.
ومناقب الشافعي.
وهذه الكتب الثلاثة أحال عليها هو في شرح المهذب.
والتقريب في علوم الحديث.
والارشاد فيه.
والخلاصة في الحديث.
ومختصر مبهمات الخطيب.
والاملاء على حديث: إنما الأعمال بالنيات، لم يتمه.
وشرح سنن أبي داود ، كتب منه يسيرا.
وبستان العارفين.
ورؤوس المسائل، والأصول والضوابط، كتب منه أوراقا.
ومختصر التنبيه، كتب منه روقة واحدة.
والمسائل المنثورة، وهي المعروفة بالفتاوى، وضعها غير مرتبة فرتبها تلميذه.
ابن العطار، وزاد عليها أشياء سمعها منه.
والأربعين، وشرح ألفاظها.
هذا ما يحضرني من مصنفاته بعد الفحص. وقد قال في شرح المهذب في رفع اليدين في الركوع: أرجو أن أجمع فيه كتابا مستقلا، فلا أدري أفعل أولا؟
صفحة ٦٨
قال الأسنوي: وينسب له تصنيفان، ليسا له، النهاية اختصار الغاية الثاني: أغاليط على الوسيط، مشتملة على خمسين موضعا، بعضها فقهية، وبعضها حديثية. وممن نسبه له هذا ابن الرفعة في المطلب، فاحذره، فإنه لبعض الحمويين، ولهذا لم يذكره ابن العطار حين عدد تصانيفه واستوعبها، انتهى.
وقوله: إن ابن العطار: وله شرح ألفاظ، ومسودات كثيرة، ولقد أمرني مرة بجمع نحو ألف كراس بخطه، وأمرني أن أقف على غسلها في الوراقة، وخوفني ان خالفته في ذلك، فما أمكنني إلا طاعته وإلى الآن في قلبي منها حسرات.
ذكر شئ من مكاتباته:
قال ابن العطار: كتب ورقة إلى الملك الظاهر تتضمن العدل في الرعية وإزالة المكوس، وكتب معه فيها جماعة، ووضعها في ورقة كتبها إلى الأمير بدر الدين بيلبك الخزندار بإيصال ورقة العلماء إلى السلطان، وصورتها.
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله تعالى ورحمته وبركاته على المولى الحسن، ملك الامراء بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلغه من أقصى الآخرة والأولى كل آماله، وبارك له قي جميع أحواله، آمين.
وينهى إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام في هذه السنة في ضيق عيش، وضعف حال، بسبب قلة الأمطار، وغلاء الأسعار، وقلة الغلات والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه يجب الشفقة على الرعية، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة. وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان، المحبون له، كتابا يذكره النصيحة. وقد كتب خدمه الشرع الناصحون للسلطان، المحبون له، كتابا يذكره النظر في أحوال الرعية والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة، وشفقة، وذكرى لأولي الألباب.
المسؤول من الأمير - أيده الله تعالى - تقديمه إلى السلطان أدام الله له الخيرات، ويتكلم عنده من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدخرا له عند الله تعالى * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ومات عملت من سوء تود لو أن بينها
صفحة ٦٩
وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه) * وهذا الكتاب العلماء أمانة ونصيحة للسلطان، أعز الله أنصاره، والمسلمين كلهم في الدنيا والآخرة فيجب عليكم إيصاله للسلطان أعز الله أنصاره، وأنتم مسؤولون عن هذه الأمانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها ولا حجة لكم في التقصير فيها عند الله تعالى، وتسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وأنتم بحمد الله تحبون الخير وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات، وأفضل الطاعات، وقد أهلتم له وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الامر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) *، وقال تعالى:
* (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليهم) *.
والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، فإذا فعلتموه فأجركم عند الله * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما وصلت الورقتان إليه، أوقف عليهما السلطان، فرد جوابهما ردا عنيفا مؤلفا، فتنكدت خواطر الجماعة الكاتبين، فكتب - رضي الله عنه - جوابا لذلك الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آل محمد من عبد الله يحيي النووي، ينهي أن خدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالانكار والتوبيخ والتهديد، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع، وقد أوجب الله إيضاح الاحكام عند الحكام عند الحاجة إليها، فقال تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * فوجب علينا حينئذ بيانه ، وحرم علينا السكوت وقال تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) *. وذكر في الجواب أن الجهاد ليس مختصا بالأجناد، وهذا أمر لم ندعه، ولكن الجهاد فرض كفاية، فإذا قرر السلطان له أجنادا مخصوصين، ولهم اخباز معلومة من بيت المال، كما هو
صفحة ٧٠