وسر هذا الامر ان كل صورة تدركها - كيفما أدركتها - وسواء أدركتها فيك أو فيما خرج عنك في علمك باعتبار فليس الا نسبة اجتماعية في مرتبة ما من المراتب، وكذا ما علمت وما به وعنه نطقت وغير ذلك، اللهم الا ان كملت وصرت انسانا كاملا، فلك، إذ ذاك جمعية تختص بك تستوعب كل جمعية وحكم تنفرد به، هو منبع كل حكم ومستوعبه لا يشارك فيه، وسيقص عليك من أنباء هذا الامر ما يرتفع به عنك الاشتباه إن شاء الله.
فان أنت تدبرت هذا الفصل واعتبرت ما ضمن من الاسرار بنور الحق ولم تغفل عنه تكن ممن ترى الحق في كل شئ جهارا علنا، واستحضر الان ما عرفت به من قبل:
ان الطلب الأول الآلي من حيث الاجتماع الاسمائي بالتوجه الذاتي، حال ذاتي للأسماء لا لموجب خارجي، إذ ليس هو ثم، لكن على الوجه المنبه عليه في سر الطلب وهو في الأصل ميل معنوي بحركة غيبية من إحدى الحقائق الأسمائية الأصلية المذكورة بقوة النسبة الجامعة لظهور حكم الاتصال والاجتماع بين سائرها على ما بينها من التباين والاختلاف، ليظهر صورة جملتها ويظهر مسماها من حيث تعينه في المرتبة الجامعة لها من غيبه وحماه الأعز، مع أنه ليس هناك (من) ولا غيره ك (في) و (إلى) ونحوهما، ولكن المراد التفهيم والتوصيل، والعبارة لا تفي بالكشف عن الأمور المشهودة، وقصارى الامر التقريب والتنبيه، وبالقدر المشترك من الامر الأصلي بين المتخاطبين يقع الفائدة على اختلاف صورها في المحجوب والذائق.
ثم نقول: فالميل الأول المذكور المنسوب إلى الأسماء لذاتية هو الإرادة والتعلق الخاص من النسبة الجامعة، المظهر حكم الميل من إحدى الحقائق في الكل، هو باعث المحبة المتعلقة بكمال الجلاء والاستجلاء، المتوقف حصوله على الظهور، لكن على ما ستعرفه من مسألة الانسان الكامل في آخر الكتاب إن شاء الله.
صفحة ٣٩