وفرقة تمنع ذلك أي توقفه على النظر وهؤلاء إن أرادوا بعدم توقفه أنه أي العلم لا يتوقف على النظر وجوبا إذ ليس بينهما ارتباط عقلي يوجب ذلك بل يتوقف عليه عادة أو أرادوا به أن العلم الحاصل بعد النظر غير واقع به أي بالنظر أو غير واقع بقدرتنا على وجه التأثير بل بخلق الله تعالى فينا عقيب النظر بطريق جريان العادة فهو مذهب أهل الحق من الأشاعرة وأحترز بذلك عما اختاره الإمام الرازي في المحصل من القول بوجوب العلم من النظر لا على سبيل التوليد وقد نسب هذا القول إلى القاضي وإمام الحرمين فإنهما قالا باستلزام النظر للعلم وجوبا من غير أن يكون النظر علة أو مولدا وإن أرادوا بعدم توقفه عليه أنه لا يتوقف عليه أصلا أي لا تأثيرا ولا وجوبا ولا عادة فهو مكابرة ومخالفة لما يجده كالعاقل من أن علمه بالمسائل المختلف فيها يتوقف على نظره فيها
المذهب الثاني في هذه المسألة أن التصور لا يكتسب بالنظر بل كل ما يحصل منه كان ضروريا حاصلا بلا اكتساب ونظر بخلاف التصديق فإنه ينقسم إلى ضروري ومكتسب وبه قال الإمام الرازي واختاره في كتبه لوجهين
أحدهما أن المطلوب التصوري إما مشعور به مطلقا فلا يطلب لحصوله بناءت على أن تحصيل الحاصل محال بالضرورة أو لا يكون مشعورا به أصلا فلا يطلب أيضا لأن المغفول عنه بالكلية وهو المسمى بالمجهول مجهول المطلق لا يمكن توجه النفس بالطلب نحوه بالضرورة أيضا
وأجيب عن هذا الوجه بأن الحصر أي حصر المطلوب التصوري فيما هو مشعور به من جميع الوجوه أو غير مشعور به أصلا ممنوع لجواز أن يكون معلوما ومشعورا به من وجه دون وجه آخر ولم يتبين بما ذكره أن هذا القسم يمتنع طلبه فعاد الإمام وقال الوجه المعلوم معلوم مطلقا والوجه المجهول مجهول مطلقا فلا يمكن طلب شيء منهما لما مر من امتناع تحصيل الحاصل وامتناع توجه النفس نحو المغفول عنه بالكلية
صفحة ٦٧