مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال
تصانيف
وبعد .. فإن الله لما من -وله الحمد - بتيسير زيارته وزيارة الأئمة الطاهرين عقب عوده الميمون من محروس (ضوران) المقرون بالعز والنصر والإحسان إلى محروس ربع (شهارة) المأنوس حرسها الله في شهر رجب سنة أربع وسبعين بعد الألف ختمها الله وما بعدها بالأمن والإيمان، والعفو والغفران، اجتمعنا بولده مولانا السيد العلامة عز الإسلام: محمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله -أيده الله وحفظهم للإسلام والمسلمين- فوجدناه في علماء الآل واسطة عقدهم الثمين المفصل، وحصلت بيننا وبينهم مذاكرة ومراجعة في عدة مسائل، ومن جملة ما ذكره لنا ما قاله صاحب (المفصل) في تأكيد الضمير المنصوب والمجرور من التمثيل بقوله: (رأيتك أنت، ومررت بك أنت) وما نقل في حاشيته عن ابن يعيش أنهم أكدوا ذلك بالمرفوع؛ لأنهم لو أكدوه بالمنصوب لكان بدلا لا تأكيدا، فاستغرب بعض علماء عصرنا ما علل به ابن يعيش واستطرفه ولم يتعرض في (المكمل شرح المفصل) في هذا الموضع للتعليل، لكن وجدت في (المكمل) في بحث توسط ضمير الفصل ما يدل على علة تصلح لذلك حيث قال: قوله أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة إنما شرط أن يكون منفصلا؛ لأن الضمير المتصل إنما يكون إذا كان فاعلا أو مفعولا أو صفة، أو كان قبل حرف جر، وهذه الأشياء منتفية هنا؛ وإنما اشترط أن يكون ضمير ا مرفوعا؛ لأن هذا الضمير كالتأكيد لما قبله، فإن كان هذا الضمير بين المبتدأ وخبره، وبين اسم كان وخبرها فكونه مرفوعا ظاهرا، وإن كان بين إسم إن وخبرها أو بين مفعولي ظننت فحقه أن يكون منصوبا؛ لأن ما قبله منصوب، ولكن جعله ضميرا مرفوعا منفصلا؛ لأن المنفصل المرفوع أخف من المنصوب المنفصل لأن الغرض منه ليس[54ب ] إلا الفصل، والفصل بما هو أقل حروفا أولى مما هو أكثر حروفا فقولك : إن زيدا هو المنطلق أخف من قولك: إن زيدا إياه المنطلق، ثم قال: اختلفوا في إعرابه فقال بعضهم: إعرابه إعراب ما قبله؛ لأنه تأكيد له لأنه مع ما بعده كشيء واحد، ولفظ ابن يعيش على قوله في (المفصل) ورأيتني أنا، لم يقل إياي لئلا يكون بدلا؛ لأنهم التزموا في التأكيد بالمضمر أن يكون بصيغة الضمير المرفوع المنفصل للفرق بينه وبين البدل؛ لأن البدل لا يأتي إلا على إعراب المبدل منه - هذا كلامه م يذكر العلة في تأكيد المجرور بالمرفوع، وأنت خبير أنك إذا جمعت بين كلام ابن يعيش، وبين كلام (المكمل) وجدتهما غير متنافيين، وأنه يصلح كل منهما علة مستقلة بل كلام (المكمل) أولى؛ وذلك لأن كلام ابن يعيش ومن معه من النحاة عليه ما عليه من كلام الرضي حيث لم يسلم التزام ذلك، وإنما صرح بالجواز فقط، بل التزمه في مثالين ستقف عليهما فيما نذكره من كلامه، قال الرضي في التأكيد: وقد جوز في تكرير الضمير المتصل وجها آخر غير تكرير العماد وهو: أن تكرره منفصلا فيقول في المرفوع: ضربت أنت؛ وهو من باب تكرير اللفظ، وإن كان الثاني مخالفا للأول لفظا؛ إذ الضرورة داعية إلى المخالفة؛ لأنه لا يجوز تكريره متصلا بلا عماد؛ لئلا يصير المتصل غير متصل ويقول في المجرور: مررت بك أنت وبه هو؛ لأنه لا ضمير للمجرور منفصل حتى يؤكد به فاستعير له المرفوع.
صفحة ٢٥٤