قال: نعم فجزاك الله خيرا من أهل وعشيرة، وأمره أن يخبرهم بذلك فأخبرهم، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لهم: مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حين قال الرجل ما قال قتلتموه حتى دخل النار)) وحسبك في تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم أنه خير بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فاختار أن يكون[3أ] نبيا عبدا.
وقال له إسرافيل: ((إن الله قد أعطاك بما تواضعت له، إنك سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع)) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجيب من دعاه- وإن كان دنيا: ب (لبيك) ويعود المساكين ويسلم على الصبيان إذا مر عليهم، ويجالس الفقراء، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث ما انتهى به المجلس، يذبح أضحيته وبدنه، ويعلف ناضحة، ويأكل مع الخدم، ويعجن معهم، ويحمل بضاعته من السوق.
ودخل عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجل فارتعد من هيبته فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)).
ودخل صلى الله عليه وآله وسلم (مكة) يوم الفتح مطأطئا رأسه حتى كاد يمس قادمته، وذلك حين عجب النفوس، وحج في حجة الوداع على رحل رث، عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم وقال: ((اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة)) أخرجه ابن ماجة عن أنس، وأهدى فيها مائة بدنة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)).
صفحة ٤٦